مطلوب في جميع الأشياء والنفس تميل إليه بالطبع، ومع هذا فليس الوقوف في السجع عند الاعتدال فقط، ولا عند
توافق الفواصل على حرف واحد هو المراد من السجع، إذ لو كان الأمر كذلك لكان كل أديب من الأدباء سجاعا.
وإنما ينبغي في السجع بالإضافة إلى ما تقدم أن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة حادة لا غثة ولا باردة. والمراد بغثاثة الألفاظ وبرودتها أن صاحبها يصرف النظر إلى السجع نفسه من غير نظر إلى مفردات الألفاظ المسجوعة وتراكيبها وما يشترط لكليهما من صفة الحسن.
فإذا صفّي الكلام المسجوع من الغثاثة والبرودة فإن وراء ذلك مطلوبا آخر، وهو أن يكون اللفظ فيه تابعا للمعنى لا أن يكون المعنى فيه تابعا للفظ، وإلا كان كظاهر مموّه على باطن مشوّه.
فإذا توافرت هذه الأمور فإن وراءها مطلوبا آخر، وهو أن تكون كل واحدة من الفقرتين أو السجعتين المزدوجتين دالة على معنى غير المعنى الذي اشتملت عليه الأخرى. فإن كان المعنى فيهما سواء فذاك هو التطويل بعينه، لأن التطويل إنما هو الدلالة على المعنى بألفاظ يمكن الدلالة عليه بدونها، وإذا وردت سجعتان يدلان على معنى واحد كانت إحداهما كافية في الدلالة عليه.
وإذا رجعنا إلى كلام أعلام الكتاب المشهود لهم بالتفوق في النثر الفني من أمثال الصابي وابن العميد وابن عباد والحريري في مقاماته وابن نباتة في خطبه وجدنا أكثر المسجوع من كلامهم كذلك والأقل منه هو المستوفي لشروط السجع الحسن.
وهذه الشروط، كما يقول ابن الأثير، تتمثل في ثلاثة أمور: الأول