وقد ظهر «التشريع» قبل كلام الحريري في كلام العرب المتقدمين، من نحو القائل:
وإذا الرياح مع العشي تناوحت ... هوج الرمال بكثبهن شمالا
ألفيتنا نقري العبيط لضيفنا ... قبل القتال ونقتل الأبطالا (١)
فالبيتان من وزن الكامل التام كذلك والقافية اللام، وبإسقاط تفعيلتين ينتقل البيتان إلى وزن آخر هو مجزوء الكامل وإلى قافية أخرى هي اللام أيضا هكذا:
وإذا الرياح مع العشي ... تناوحت هوج الرمال
ألفيتنا نقري العبي ... ط لضيفنا قبل القتال
ولا شك أن هذا النوع لا يأتي إلا بتكلف زائد وتعسف، وحسنه منوط بما فيه من الصناعة لا بما فيه من البلاغة والبراعة. ومن ثم لا يحسن إلا إذا كان يسيرا؛ كالرقم في الثوب أو الشية في الجلد كما يقول ابن الأثير.
وأوسع البحور في هذا النوع «الرجز» الذي يتألف من «مستفعلن» ست مرات، فإنه قد وقع مستعملا «تاما»
و «مجزوءا» و «مشطورا» و «منهوكا»، فيمكن أن يعمل للبيت منه أربع قواف.
(١) العبيط: الذبح، ويقال: اعتبط الإبل والغنم إذا ذبحها لغير داء، ونقري العبيط لضيفنا: أي نحسن إلى ضيفنا ونقدم له من طعامنا خير ما نذبح من إبلنا أو غنمنا المبرأة من الأدواء.