ومما تجدر الإشارة إليه هنا، ونحن نتتبع تطور علم البديع، أن المتكلمين منذ القرن الخامس من الباقلاني إلى عبد القاهر ممن عنوا بإعجاز القرآن قد نحوا البديع عن مباحث أسرار البلاغة في القرآن الكريم، لأنه في رأيهم لا يدخل في بحث الإعجاز القرآني، نظرا لأن كثيرا من فنونه مستحدث، وما ورد منه في القرآن إنما جاء دون قصد وتكلف.
على هذا الأساس رأينا فيما سبق كيف أن عبد القاهر وهو يعنّي نفسه بالكشف عن نظريتي علم المعاني وعلم البيان في كتابه «دلائل الإعجاز» لم يعن أو يهتم بالبديع وفنونه.
حقا لقد عرض في «أسرار البلاغة» للجناس والسجع وحسن التعليل والطباق، ولكن حديثه عنها قد جاء في معرض الاستدلال بها على نظريته في نظم الكلام.
وعلى غرار عبد القاهر نرى الزمخشري لا يعني في تفسيره «الكشاف» بما جاء في آيات القرآن من بديع إلا عرضا، لأنه لم يكن يعد البديع علما مستقلا من علوم البلاغة، وإنما يعده ذيلا لها.
وقد كانت نظرته هذه إلى البديع سببا في أن لا يقف طويلا أمام ما ورد في القرآن من فنون بديعية. ومن ثم فالزمخشري في ميدان البلاغة رجل بيان لا بديع.
ومع ذلك فقد استدعاه تفسيره البياني في «الكشاف» أن يشير إشارة خفيفة إلى ما ورد في بعض آي الذكر الحكيم من فنون البديع من مثل:
الطباق، والمشاكلة، واللف والنشر، والالتفات، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، ومراعاة النظير والتناسب، والتقسيم، والاستطراد، والتجريد.
تلك كانت مساهمة الزمخشري في علم البديع، وهي مساهمة لم يكن