للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فتشبعت بها روح أبنائه. فكانوا يعدون أنفسهم ممتازين على سائر الناس ولم يرضوا قط أن يمتزجوا بغيرهم من الأمم. في مازالوا يلحون في طلب الإنفراد في مجتمع "الجيتو" حتى منحتهم الطبيعة ما أرادوا وفصلتهم عن جسم البشرية. ومهما يكن من أمر فأين المفر من إرادة الله التي دمغتهم بالذلة:

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (١)

وسرعان ماتبددت نشوتهم، فبينما كانوا يحفرون الأرض لوضع الأساس إذ خرج من باطنها لهيب أحرق عددا من العمال والمهندسين القائمين بالعمل (٢)، غير أن اليهود عادوا إلى العمل من جديد. فعادت هذه الظاهرة مرة أخرى - ولعل سبب هذه الظاهرة هو انفجار بعض الغازات الطبيعية وكان لالتهابها ما أوقف العمل وبالتالي ثبطت همة القائمين بالمشروع.

وفرح المسيحيون بهذه الظاهرة، إذ بدا لهم أن الله غير راضٍ عن إعادة بناء الهيكل، وعجب اليهود من هذا وحزنوا له. ثم مات الإمبراطور جوليان فجأة، فحبست عنهم أموال الدولة، وسنت من جديد القوانين المقيدة لهم، وجعلت أشد صرامة مماكانت عليه من قبل، وحُرِم على اليهود مرة أخرى دخول أورشليم فعادوا إلى منفاهم وفقرهم ثم إلى صلواتهم.

وكتب جيروم بعد قليل من ذلك الوقت يقول: "إن أهل فلسطين اليهود، لا يزيدون على عُشر ما كانوا عليه من قبل" تصديقاً لما جاء بسفر أشعياء:


(١) سورة آل عمران: آية ١١٢.
(٢) Ammianus MarceIIinis; Works. VOI. XXIII، ١.

<<  <   >  >>