على أن هذه الروايات الشفوية لم تدون، ولعل سبب عدم تدوينها أن هؤلاء العلماء أرادوا أن يجعلوها مرنة قابلة للتعديل، أو لعلهم أرادوا بذلك أن يرغموا الاجيال التالية على استظهارها.
فكان في وسع الأحبار الذين أخذوا على أنفسهم تفسير الشريعة إذا اضطرتهم الظروف، أن يستعينوا بمن قدروا على استظهارها. وكان الأحبار في الستة القرون الأولى بعد ميلاد المسيح يسمون "التنايم" Tannaim أي، معلمي "الشريعة" وإذ كانوا هم وحدم المتضلعين فيها فقد كانوا هم المعلمين والقضاة بين يهود فلسطين بعد تدمير الهيكل.
[تحليل شخصية الأحبار]
كان أحبار فلسطين، وأحبار بابل طبقة أرستقراطية فذة لامثيل لها في التأريخ. ذلك أن هؤلاء الأحبار لم يكونوا طبقة وراثية أو مغلقة مقصورة على طائفة خاصة من الناس كما كانت من قبل. فإن وظيفة الأحبار والكهنة حسب شريعة موسى قصرت على سبط لاوى فحسب، بل أصبحت هذه الوظيفة بعد ميلاد المسيح وتدمير أورشلم حقا مباحا لكل يهودي، ووجد فقراء اليهود طريقهم إلى الكهنوت، وسرعان ما ارتقوا فى مناصبه.
وقد كان معظمهم يكسبون قوتهم بالعمل في الصناعات المختلفة حتى بعد أن أصبحوا من ذوي الشهرة العالمية. وظلوا إلى مايقرب من أخريات تلك الفترة التي نتحدث عنها لا يعطون أجوراً على قيامهم بالتدريس أو بأعمال القضاء.
وكان الأثرياء من اليهود يجعلونهم في بعض الأحيان شركاء غير عاملي في مشروعاتهم المالية أو التجارية. أو يؤونهم في بيوتهم أو يزوجونهم من بناتهم، ليوفروا عليهم عناء الكد لكسب قوتهم.