للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: تضمانِ إذا كانتا على فعل، فإن كانت إحداهما على قوْل والأخرى على فعل فَلا، وهذه الأقوالُ كلها لمالك رضي الله عنه. واعتمد الأصحاب في الفرق بين الأقوال والافعال أن الأقوال يمكن تكررها، ويكون. الثاني خبرا عن الأول، والأفعال لا يمكن تكرُّرُها إلّا مع التعَدُّد.

وهذا الفرق فيه بحْث. (٢١٩) وذلك أن الأصل في الاستعمال الانشاءُ، وتعديدُ المعاني بتعدد الاستعمال حتى يدل دليل على التاكيد، ومقتضَى هذه القاعدة عدَمُ ضمِّ الأقوال والأفعال، (٢٢٠) لكن عارَضَ هذه القاعدةَ قاعدةٌ اخرى، وهِيَ أن أصْلَ قولنا: أنتِ طالق، وأنتَ حُرٌّ، الخبرُ عن وقوع الطلاق والعَتاق قبل زمن النطق، وكذلك بعْتُ واشتريتُ وسائر صيغ العقود، وإنما ينصرف لاستحداث هذه المعاني بالقرائن أو النقل العرفي، فحُمِل القول الثاني على الِإخبار في المرَّة الثانية، عملاً بقاعدة ترجيح الاصل الذي هو الخبر، والحَمْلُ على الأصل أوْلى (٢٢١)، ولذلك شبّهَهُ الأَصحاب بما لو أقرَّ بمال فِى مجالسَ فانه لا يتعدد عليه لقربه. (٢٢٢) أمّا لو فرضنا كل واحد من الشاهدين صمَّمَ على الإِنشاء فيما سمِعه كانت الأقوال كالأفعال،


(٢١٩) هذا من كلام القرافي رحمه الله.
(٢٢٠) كذا في جميع النسخ. ع. ح. ت، وتعديد بالعين، وفي هذا الفرق عند القرافي: وتجديد المعافي بتجدد الاستعمال والتاسيس (بالجيم)، والتعبير بالتجديد أظهر وأوضح، وأن الأول له معنى ووجه آخر مقبول، فلْيتَأمَّل وليحقق، والله أعلم.
(٢٢١) علق الشيخ ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي، فقال: ما قاله صحيح، بناء على ما أصل، الا ما قاله من قوله: انتَ طالق، وانت حرٌّ، الخبر عن وقوع الطلاق والعتاق قبل زمان النطق، فإنه ليس بصحيح. فإن الخبر باسم الفاعل المطلق لا يكون إلا للحال. وقد تقدت الاشارة إلى هذه في تعليق سابق.
(٢٢٢) قال ابن الشاط هنا: إنما لم يتعدد عليه ما أقر به لاحتمال تكرر الاقرار بمال واحد، مع أن الأصل برآة الذمة من الزائد، وكذلك ما نحن فيه من قوله: عبدي فلان حر، ثم كرر ذلك القول، فإنه يُحملُ على أن الثاني خبر عن الاول، بناء على ما أصل من أصل الخبر، فيكون حينئذ الشاهدان شهِدا على شيء واحد، وهو انشاء العتق في العبد الذي سمَّى.
ثم زاد ابن الشاط قائلا هنا: لا أدري مْا الحامل على تكلف تقديره كون القول الثاني خبرا عن الأول، مع أنه لو بَيَّن بقرينة مقاله او بقرينة حالِهِ أنه يريد بالقول الثاني تاكيد الانشاء لِعتق

<<  <  ج: ص:  >  >>