للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات. (٧١)

قال صاحب المقَدِّمات: كلُّ مَن عَلِم شيئا بوجهٍ من الوجوه الموجِبةِ للعلم، شهد به، فلذلك شهدتْ هذه الأمة لنوح عليه السلام ولغيره، (٧٢) وصحَّت شهادة خُزَيمة ولم يَحْضُرْ شراءَ الفرس.

وَمَدَارِكُ العلم أربعة: العقل، والحواس، (٧٣) والنقْل المتواتر، والاستدلال، وشهادةُ خُزَيمة كانتْ بالنظر والاستدلال. ومِثْلُهُ أنَّ عُمَرَ لمّا قال لأبِي هُرَيْرَةَ في رجُل شَرِب خَمْراً شهِدَ أنه شربها، فقال: أشْهَدُ أنه قاءها، فقال عمر رضي الله عنه: ما هذا التعمق؟ فَلَا وربّك ما قاءها حتى شرِبها. والشهادة بالتواتر كالنسَب وولايةِ القاضي وعَزْله.

والْأصل في الشهادة العِلْمُ، لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (٧٤).


(٧١) هي موضوع الفرق السادس والعشرين والمائتين بين قاعدة ما يَصْلح أن يكون مستنَدا في التحمل وبين قاعدة مالا يصلحُ أن يكون مستَندا للشهادات. جـ ٤. ص ٥٥.
وقد علق عليه ابن الشاط بقوله: "أكثَرُ ما قاله القرافي فيه نقل، وما قاله فيه صحيح"، كما سبق ذكره وبيانه في هامش قبل هذا.
(٧٢) أيْ شهِدَتْ هذه الأمة المحمدية لنوح ولغيره من الأنبياء والرسل على أممهم، بإخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مصداقا لقول الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، سورة البقرة، الآية ١٤٣. وقوله سبحانه في آخر سورة النور مُمْتَناً على عباده المؤمنين من الأمة المحمدية: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}. سورة الحج، الآية ٧٨.
وتقدمت الإِشارة إلى شهادة خزيمة، رضي الله عنه، وأنها تعدل شهادة رجلين، وهي من خصوصية وفضيلة هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه؟
(٧٣) المراد بها الحواس الخمس الظاهرة المجموعة في البيت القائل:
إن الحواس عندهم لخمسٌ ... سمع بصَرٌ شَمٌّ ذَوقٌ لَمْسُ.
(٧٤) والآية قبلها {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، الآيتان ٨٥ - ٨٦. من سورة الزخرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>