للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكافر في غير ذَلك الوقت، فَهُوَ أوْلى من قَتْله، فإن قتْلَهُ يوقعه في الهلكة الدائمة قطعاً، وبقاؤه يُبقي الطمع فيه، عساه أن يرجع فيسعَدَ، وإن هو مات على الكفر فقد يخُرج من ظَهره، ولو على بعدٍ، من يومن بالله، والسَّبَبُ لِإيجَادِ من يومن بالله ولوْ بأي وجْه كان، من أعظم المصالح، وأخذ المال منه ما كان إلا لينبعثَ بذلك الذل إلى الإيمان ويفارق الكفر. (٣)

القاعدة الثانية (٤)

الفرق بين ما يوجب نقض العهد وما لا يوجبه.

إعْلم أنّ عقد الجزية موجب لعصمة الدماء وصيانةِ الأموال والأعْراضِ، وذلك العقد يحصل لهم بشروط يشترطها عليهم، مضت سنة الخلفاء الراشدين بها، وهي مستفادة من قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}. وقد ذكر ابن حزم في مراتب الاحماع أشياء، (٥) وهي: أن يعطُوا أربعة مثاقيل ذهَبا في انقضاء كل عامٍ قمري، صَرْفُ كل دينار اثنا عشر درهما، وأن لا يُحْدِثوا كنيسة ولا بِيَعاً ولا دِيراً ولا صَومعة، ولا يجدّدوا ما خرب منها، ولا يمنعوا السلمين من النزول في كنائسهم وبيعهم ليلا أو نهارا، ويُوسعوا أبوابها للنازلين ويُضيفوا من مرّ


(٣) عبارة القرافي هنا أيْبن وأوسع، وهي قوله: بيانه (أي وجه الجواب عن السؤال) أن الكافر إذا قُتِلَ انسدّ عليه باب الايمان، وباب مقام سعادة الجنان، وتحتَّم عليه الكفر والخلود في النيران وغضب الديان، فشرع الله تعالى الجزية رجاء أن يسلم في مستقبل الأزمان، لاسيما مع اطلاعه على محاسِن الاسلام، والِإلتجاء إليه بالذُّل والصغار في أخذ الجزية، فإذا أسلم لزم من إسلامه إسلام ذريته فاتصلتْ سلسلة الإِسلام من قِبَله بدلا عن كذلك الكفر، وإن مات على كفره ولم يُسْلم فنحن نتوقع إسلام ذريته المخلفين من بعده، وكذلك يحصل التوقع من ذرية ذريته إلى يوم القيامة، وساعة من إيمان تعدل ساعة من كفر. إلى آخر ما قاله القرافي رحمه الله في هذا الفرق.
(٤) هي موضوع الفرق الثامن عشر ومائة بين قاعدة ما يوجب نقض الجزية، وبين قاعدة ما لا يوجب نقضها، جـ ٣. ص.١١.
وقد اطال فيه القرافي، ولم يعلق عليه ابن الشاط بشيء رحمهما الله.
(٥) عبارة القرافي هنا: قال ابن حزم في مراتب الاجماع: الشروط المشترطة عليهم أن يعطوا اربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قَمري، صرف كل دينار اثنا عشر درهما ... إلى آخر ما هو مذكور عند القرافي واليقوري نقلا عن ابن حزم رحمهم الله جميعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>