قال عنه القرافي رحمه الله: أشهر بين النظار والفضلاء في العقليات والفقهيات أن الأعم لا يستلزم أحدَ أنواعه عينا، وإنما يستلزم الأعم مطلقَ الأخص لا أخص معيَّنا، وإنما يستلزم مطلق الأخص، لضرورة وقوعه في الوجود، فإن دخول الحقائق الكلية في الوجود مجردةً، محالٌ، فلا بد لها من شخص تدخل فيه ومعه، فلذلك صار اللفظ الدال على وقوعها في الوجود يدل بطريق الالتزام على مطلق الأخص، وهو أخص مالا أخص معينًا، وهذا القول المطرد بين الفقهاء والنظار لا يكاد يختلف ذلك اثنان، وليس الأمر كذلك، بل الأمر في ذلك مختلف، وهما قاعدتان مختلفتان. وتحرير ضبطهما والفرقِ بينهما أن الحقيقة العامة، تارة تقَع في رتب مرتّبة بالأقل والأكثر، والجزء والكل، وتارة تقع في رتب متباينة، فمثال الأول مطلق الفعل الأعم من المرة الواحدة والمرات، فالمرة رتبة دُنيا، والمرات رتبة عليًا ... الخ. اهـ. وقد علق الفقيه ابن الشاط على قول الإمام القرافي هنا: "وليس الأمر كذلك، بل الأمر في ذلك مختلف، وهما قاعدتان مختلفتان"، بقوله: بل الأمر كذلك، ليس الأمر في ذلك بمختلف، وليس ها هنا قاعدتان بوجه، بل هي قاعدة واحدة، فهذا الفرق باطل يقول ابن الشاط. رحمه الله، ثم قال بعد ذلك: "وقوله: وتحرير ضبطهما والفرق بينهما أن الحقيقة العامة، تارة تقع في رتب مترتبة بالأصل والأكثر، والجزء والكل، وتارة يقع في رتب متباينة": ذلك مسَلَّمٌ. قلت: ولم يظهر جيدا وجه التوفيق بين قول ابن الشاط: "ليس هنا قاعدتان بوجه، بل هي قاعدة واحدة، فهذا الفرق باطل"، وبن تسليمه لما قاله القرافي بعد ذلك من تحرير وضبط الفرق بين القاعدتين المذكورتين، مما يدل على صحة الفرق لا على بطلانه، فليتأمل وليصحح، فلعل كلام كل من القرافي وابن الشاط. يحتاج إلى تأمل وتمعن يهدى به المرء إلى إدراكه وفهْمِ مقصوده من ذلك.