للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المصالح الدنيوية، فلنا أن نقتصر في حق أنفسنا على الكفاف، ولا نتنافس في تحصيل الأصلح، ونقدم الأصلح فالأصلح في حق من لنا عليه ولاية عامة أو خاصة إن أمكن، فلا نفرط في حق المولَّى عليه في شق تمرة، ولا في زنة بُرّة.

وأما المفاسد إذا اجتمعت، فإن أمكن درؤها درأناها، وإن تعذر درؤها، فإن تساوت تخيرنا، وقد يُقرَع فيما يقدم منها، وإن تفاوتت درأنا الأفسد فالأفسد،

ولا يخرج الفاسد بارتكابه عن كونه مفسدة، كما في قطع اليد المتآكلة، وقلع الضرس المؤلم، وقتل الصائل على درهم، وقطع السارق في ربع دينار.

وأما اذا اجتمعت المصالح والمفاسد، فإن أمكن دفع المفاسد، وتحصيل النافع فعلنا ذلك، وان تعذر الجمع، فإن رجحت المصالح حصلناها ولا نبالي بارتكاب الفاسد، وإن رجحت الفاسد دفعناها ولا نبالي بفوات المصالح.

ثم قد تنشأ المصلحة عن المفسدة، والمفسدة عن المصلحة، وقد تنشأ المفسدة عن الفسدة، والمصلحة عن المصلحة، وقد تُقرَن المصلحة بالفسدة ولا تنشأ إحداهُمَا عن الأخرى. واذا ظهرت المصلحة أو المفسدة بُني على كل واحدة منهما حكمها، وإن جهلنا استدِل عليهما بما يرشد اليهما. وإذا توهمنا المصلحة المجردة عن المفسدة الخالصة أو الراجحة، احتطنا لدفعها. ولا فرق بين مصالح الدنيا والآخرة في ذلك الذي ذكرناه بأجمعه في التقسيم وغيره، إلا فيما قلناه من أن لنا أن نقتصر في حق أنفسنا على الأدنى، بخلاف من لنا عليه ولاية.

القاعدة الرابعة: في حكم المصالح والمفاسد المبنية على الظن.

إعلم أنه قد تقدم أن الظن ممَّا يَنْبني عليه ذلك، وإذا كان كذلك فالظن لا شك أنه قد يصيب وقد يخطئ، فإن أصاب فلا كلام أنه أدى ما عليه، وإن أخطأ -وذلك نادر، والغالب الصدق، - فمن أتى مفسدة يظنها مصلحة واجبة أو مندوبة أو مباحة فلا إثم عليه لظنه، وتُرتَّب على تلك المفسدة أحكامها اللائقة

<<  <  ج: ص:  >  >>