للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعْلَمْ أن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليسَ عُذْراً للداعي عند الله تعالى، لأن القاعدة الشرعية دَلَّتْ على أن كُلَّ جهْل يمْكن المكلَّفَ رفْعُهُ، لا يكون حجة للجاهل، فإن الله تعالى بعث رسُله إلى خلقه برسائله، وأوْجَبَ عليهم كافةً أن يعْلَموها ثم يعمَلوا بها، فالعلم والعمل واجبان، فمَن ترك التعلم والعمل وبقي جاهلا فقد عصى معصيتين لتركه واجبْين، وإن علم ولم يَعْمَل فقد عصى معصية واحدةً، ومن علم وعمِل فقد نجا. نعَمْ، الجهل الذي لا يمكن المكلَّفَ رفْعُه بمقتضى العادة يكون عذْراً، كما لو تزوج أختَه يظنها أجنَبِيّةً، إذ لَوْ اشتُرِط اليقينُ في هذه الصورة وشبهِها لشَقّ ذلك على المكلَّفين، وأصْلُ هذا الفسادِ الداخل على الانسان في هذه الأدعية إنما هو الجهل. فاحذَرْ منه واحْرِص على العِلم، فهو النجاة، كما أن الجهل هو الهلاك. (٢٥)

القاعدة الثالثة:

في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم. (٢٦)

قال شهابُ الدين: وقد حَضرني من المحرَّم الذي ليس بكفر اثنا عشر قِسما، ثَبتَ الحصر فيها بالاستقراء، وما عداها ليس محرَّما بالاستقراء، فمن ظفِر بقِسْمٍ آخَر أضافه لهذه الأقسام، وأنا أمثل كلَّ قسْم بِمُثلِهِ اللائقة بِهِ.


(٢٥) قال الشيخ ابن الشاط معلقا على ما جاء عند الإِمام القرافي في هذا الفصل:
ما قاله القرافي في هذا الفصل، كله صحيح، إلاَ ما قاله من أن الأصل في الدعاء التحريمُ، والاستدلالُ على ذلك بقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ}، ففى ذلك نظَرٌ، والأظهر أن الأصل في الدعاء الندب، إلا ما قام الدليل على منعه.
قلت: وذلك ما سيأتي للشيخ البقوري في أول القاعدة الرابعة هنا.
(٢٦) هي موضوع الفرق الثالث والسبعين والمائتين بين قاعدة ما هو محرم من الدعاء وليس بكفر، وبين قاعدة ما ليْسَ محرما". جـ ٤. ص ٢٦٥، وهو من الفروق الطويلة عند القرافي رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>