للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الرابعة عشرة (٦١)

نقرر فيها الفرق بين الشقة المسقطة للعبادة وبين التي لا تسقطها، فنقول:

المشاقُّ قسمان، أحدهما لا تنفك عنه العبادة كبرْد الماء في الوضوء، وألم الجوع في الصوم، فهذا لا يُسْقط شيئاً، لأن الأحكام مقرَّرة على التزام هذا.

القسم الثاني ما تنفَكُّ عنه العبادة وهو ثلاثة أنواع: في الرتبة العليا كالخوف على النفوس وعلى الأعضاء والمنافع، فهذا يوجب التخفيف، وفي الرتبة الدنيا فلا يوجبُ تخفيفا، والرتبةُ الوُسطَى ما قرُب منها للعليا جَرَى مجراها، وما قرُبَ منها للدنيا جرى مجراها، لذلك فلا يوجب شيئا.

ثم إن المشقة في الاعتبار أو الِإلغاء لها تختلف باختلاف رُتب العبادات، فالمهمُّ يشْتَرطُ في إسقاطه أشدُّ المشاقِ وأعمُّها، وما لم يَعْظمْ يؤثرُ في إسقاطه المشاقُّ الخفيفة.

ثم ضابط المشقة المؤثرة من غيرها أن يُنظَر، فإن ورد شيء من الشرع اعْتُبِر، وإن لم يَرِدْ شئٌ من ذلك يتعيَّن تحديده بتقريب من حيث قواعد الشرع، وذلك بأن يبحثَ عن أدنى مشاق تلك العبادة المعيَّنة، فإن وجدها بنص أو إجماع


(٦١) هي موضوع الفرق الرابع عشر بَيْنَ القاعدتَيْن المذكورتين: جـ ١. ص ١١٨. قال ابن الشاط معلقا على القسم الأول:
قلت: التكليف بعينه مشقة، لِأنه منع الإنسان من الاسترسال مع دواعي نفسه، وهو أمْرٌ نِسبى، وبهذا الاعتبار سُمِّي تكليفا، وهذا المعنى موجودٌ في جميع أحكامه حتى الإِباحة، ثُمَّ يختص غيرها بمشاقَ بدنية، وبعضُ تلك المشاق هو أعظم تلك المشاق كما في الجهاد الذي فيه بذْل النفس، فبحسَبِ ذلك انقسمت المشاقُّ بالنسبة إلى التكليف قسْميْن: قسم وقع التكليفُ بما يلزمه عادة أو في الغالب أو في النَّادِر، وقسما لم يقع التكليف بما يلزمه. فالقسم الأول لا يَؤثر، لأنه ينقض التكليف.
ثم قال الفقيه ابن الشاط عن القسم الثاني من المشاق التي تنفك عنها العبادة وعن أنواعه الثلاثة المذكور: ما قاله القرافي في ذلك صحيح. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>