للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الحادية والعشرون (١٥١)

نقرر فيها الفرق بين الواجبات بطريق النذر، وبين الواجبات بإيجاب الله تعالى، وذلك من حيث المصلحة، فنقول:

ان الأوامر تتبع المصالح، والنواهي تتبع المفاسِد، والمصلحة إن كانت في أعلى الرتَب يترتَّب عليها الوجوب، وإن كانت في أدْنى الرتب رُتِّبَ عليها الندب.

ثم ان المصلحة ترتقى ويرتقى الندب بارتقائها حتى يكون أعلى مراتب الندب يُشبه أدنى مراتب الوجوب، وهذا الاعتبار بعينه في المفسدة بحسب التحريم والكراهة، فعلى هذا، المصلحة التى تصلح للوجوب لا تصلح للندب، لاسيما المزلبة الدنيا من الندب، كيف لا، وقد رتّب العقاب على ترك المصلحة التى للوجوب، وكذا الامر أيضا من حيث المفاسدُ، فقد رتِّب (١٥٢) العقاب على فاعل الحرام دون الكراهة، فهكذا الأسباب الشرعية لا تجعل شيئا سببا للوجوب وشيئا سبَباً للندب الا ولكُلِّ واحدٍ نسبةٌ للآخر.

قلت: قد مضى لنا في القاعدةِ الرابعة عشرة أن هذا الذي قاله هنا هو الغالب، وأبْدَيْنا خلافَ هذا في صُوَرٍ: منها الجمعُ ليلةَ المطَر فُضِّلَ على الواجب من حيث ان المصلحة التى في ذلك الندوب أعظم، وكذلك صلاة الجمعِ بعرفة قدم على ايقاع الصلاة في وقتها، وهو واجب، لأنه أفضل وأعظم مصلحة.

قال شهاب الدين -رحمه الله-:

إذا تقررت هذه القاعدة. فاعْلَمْ أن صاحب الشرع جعل الأحكام على قسمين: قسم منها قرره بنفسه، وقسْم وَكَلَ تقريرَه "إلى خِيَرَةِ المكلَّف.


(١٥١) هي موضوع الفرق السادس والثلاثين والمائة ١٣٦ بين قاعدة المنذورات وقاعدة غيْرها من الواجبات الشرعية. جـ ٣. ص ٩٤.
وقد عَلَّق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على ما جاء عند القرافي في هذا الفرق فقال: ما قاله القرافي في هذا الفرق صحيح، ، لا قوله في هذه القاعدة. إن الله أمر عباده أن يتأدبوا معه كما يتادبون مع أماثلهم، فإنَّهُ تشبيه لا أرتضيه".
(١٥٢) في نسخة ح: رتب بصيغة الماضى المبنى للمجهول، وكما في العبارة الموالية بالنسبة للنسختين.

<<  <  ج: ص:  >  >>