للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الثامنة والعشرون

في تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب. (٣١٤)


عن البعض ويظهر من مخالفة ذلك، فهو نادر في كل عصر وجيل، والنادر لا حكم له كما يقال، والله أعلم بالحق والصواب فيما يكون بين العلماء من اختلاف في وجهات النظر حول بعض المسائل والمفاهيم العلمية، وفوق كل ذي علم عليم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وهذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي رحمهم الله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنتُ رِدف الله قوله - صلى الله عليه وسلم - (أقوله راكباً خلفه) على حمار يقال له عُفَيْر (بالتصغير)، فقال: يا معاذ، هل تدرى ما حقُّ الله على العباد، وما حقُّ العباد على الله؟ قلت: اللهُ ورسولُه أعلم. قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. قلت: يا رسولَ الله، أفَلَا أبشّرُ الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتَّكلوا"، أي إذا بشَّرتَهم بذلك اتكَلوا على العقيدة والشهادة والتوحيد بالقلب والفؤاد، وبالقول والألسنة، وتركوا الطاعة بالعبادة والأعمالِ الصالحة، وأداءَها بالاعضاء والجوارح.
وفي معناه ما رواه معاذ أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما مِن أحدٍ شهِدَ أن لا إلاه إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه الله علي النار، قال: يارسول الله، أفلا أخبِرُ به الناس فيستبشروا، قال: إذَنْ يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثما". أي تَجنباً للاثم، وخروجا من الوقوع في ذنب كتمان العلم، لأن الله سبحانه، وكذا رسولُهُ - صلى الله عليه وسلم -، أمر بتبلغيه وتعليمه للناس، للانتفاع في دينهم ودنياهم. فرضي الله عن كافة الصحابة ورحم سائر العلماء والمسلمين.
(٣١٤) هي موضوع الفرق الثالث والعشرين بين قاعدة الواجب للآدميين على الآدميين، وبين قاعدة الواجب للوالدين على الأولاد خاصة، جـ ١. ص ١٤٢.
وقد بدأه شهاب الدين القرافي رحمه الله بقوله: وهذا الموضع مشكل، بسبب أن كل ما وجب للأجانب (وهُم غير الاقارب) وجب للوالدين، وقد يجب للوالدين ما لا يجب للاجانب، فما ضابط ذلك الحق الواجب للوالدين الذي امتازوا به عن الأجانب؟ هذا موضع الإشكال، وأنا أقرب ذلك وألخِصُهُ بأيهر مسائل وفتاوي منقولة عن العلماء تختص بالوالدين، فيظهر بعد ذلك تقريب هذا الموضع إن شاء الله تعالى، وذلك بثمان مسائل: وقد أوردها البقوري كذلك هنا.
وقد علق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على هذا الكلام عند القرافي إلى تمام المسألة الخامسة بقوله: أكثْرُ ذلك نقل لا كلامَ فيه، وما فيه من كلام فهو صحيح، غير قوله: قال الشيخ أبو الوليد الطرطوشي، فإنه ليستْ كنيته (أبو الوليد). وإنما كنيته أبو بكر.
قلت: وهو كذلك، واسمه محمد بن الوليد بن محمد بن خلَف بن سليمان بن ايوب الفهري، وينسب إلى طرطوشة بضم الطاءيْن: بلد بالاندلس، وكنيته أبو بكر كما ذكره الفقيه العلامة ابراهيم بن فرحون في كتابه الشهير: "الديباج المذهب في أعيان علماء المذهب"، ويُعرف بابْن أبي رُنْدقة، وكما أورده وذكره الفقيه العلامة محمد بن الحسن الحجوى الثعالِبي في كتابه القيم: "الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي"، نقلا له عن كتب التراجم، كالديباج، =

<<  <  ج: ص:  >  >>