للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية (٢٩٩)

إعلم أنه لا يلزَمُ من كون العبادةِ لها مزيةٌ تختصُّ بها أن تكون أرجحَ مما ليس له تلك المزية.

فقد ورَدَ في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أذن المؤذن ولى الشيطانُ وله ضُرَاط، وإذا فرغَ المؤذِنُ من الأذان أقبل، فإذا أقيمَتْ الصلاة أدْبَرَ، فإذا أحرمَ العبدُ بالصلاة جاء الشيطان فيقولُ له: أذكُر كذا حتى يضِلَّ الرجُلُ أن يدري (٣٠٠) كمْ صلَّى"، (٣٠١) فهذا يدل على أن الشيطان يفرُّ من الأذان والاقامة ولا يفرُّ من الصلاة، وليس بأفضلَ من الصلاة ولا بدَّ، لأنهما وسيلتان، والمقصِدُ أعظَمُ من الوسيلة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل أعمالكم الصلاة". (٣٠٢)


الرحيم". (أخرجه الحاكم من حديث ابن مسعود رضي اللهُ عنه، وقال: صحيح. وقال - صلى الله عليه وسلم -: مَن أكْثَرَ الاستغفار جعل الله له من كل هم فرَجاً، ومن كل ضيق مَخرَجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب"، وقال: إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرَّة"، هذا مع كون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفر الله لَهُ ما تقدم من ذنبه وما تأخر" اهـ.
فما أحوجَنا إلى الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في العبادة والذكر والدعاء وصالح الأقوال والأقوال، عملا يقول الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
(٢٩٩) هي موضوع الفرق الواحد والتسعين بين قاعدة الأفضلية وبين قاعدة المزية والخاصية جـ ٢. ص ١٤٤. علق عليه ابن الشاط رحمه الله بقوله: ما قاله القرافي في هذا الفرق صحيح".
(٣٠٠) كذا في نسخة ع. وفي نسخة ح، وت: لا يدري. وعند القرافي في هذا الفرق: فلا يدري.
(٣٠١) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي رحمهم الله.
(٣٠٢) عن ثوبان رضي الله عنه قال، قال رسول الله. - صلى الله عليه وسلم -: إستقيموا ولن تُحصُوا، واعلَموا أن خَير أعمالكم الصلاةُ، ولن يحافظ على الوضوء إلَّا مومن". رواه الحاكم في كتابه "المستدرك على الصحِيحَيْن"، وقال: صحيح على شرطهما. ورواه الإِمام الطبراني رحمه الله في كتابه "الأوسط" من حديث سلَمة بن الأكوع رضي الله عنه، وقال فيه: "واعلموا أن أفضل أعمالكم الصلاة"، وأورده الحافظ المنذري رحمه الله في كتابه "الترغيب والترهيب".
قلت: ويعضِّدُهُ ويقَوِّيه أحاديث اخرى كثيرة وصحيحة في الموضوع، نقتصر منها على حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيّ العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثمّ أي؟ قال: برّ الوالدين، قلت: ثمّ أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: حدَّثني بهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو استزدته لزادني".
رَوَاهُ الشيخان: البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي رحمهم الله، ورحم سائر الأئمة والعلماء وجميع المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>