أو كلاهما، وما أباح شيئا إلا وفيه مصلحة عاجلة. أكثر هذه المصالح والمفاسد ظاهر جلي، وبعضها خفي وهو الأقل، فيستدل عليها بالأدلة التي نصبها الله لها، ومنها ما لا يظهر فيه مصلحة ولا مفسدة، سواء جلب الثواب ودفع العقاب، ويعبر عنه بالتعبد.
القاعدة التاسعة: في تقرير أن المصالح والمفاسد لا يرجع شيء منها إلى الله جل وعلا، لأنه منزه عن النفع وعن الضر، فهو لا يحتاج إلى منفعة ولا تلحقه مضرة، لأنه الغني بالاطلاق، وإنما يعود النفع والضر إلى الانسان، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها. وإحسان المرء إلى نفسه أو إلى غيره، إما بجلب مصلحة دنيوية أو أخروية أو بهما، أو بدفع مفسدة كذلك، وإساءتُه إلى نفسه او إلى غيره إما بجلب مفسدة دنيوية، أو أخروية أو بهما، أو بدرء مصلحة دنيوية، أو أخروية أو بهما. فكل من أحسن إلى نفسه كان أجره مقصورا عليه، وكل من أحسن إلى غيره كان محسنا إلى نفسه وإلى غيره، ومن أساء إلى نفسه كان وِزْره مقصورا عليه، وكل من أساء إلى غيره فقد بدأ بالاساءة إلى نفسه.
وإذا اتحدَ نوع الإحسان والإساءة كان عامها أعظم من خاصها، فليس من أصلح بين جماعة كمن أصلح بين اثنين، وليس من أفسد بين جماعة كمن أفسد بين اثنين. وقد نبهنا على هذا في القاعدة المتقدمة، بحيث قلنا: ارتباط الثواب والعقاب بالمصالح والمفاسد لا بالأعمال.
القاعدة العاشرة: في أن الصالح والمفاسد بحسب العبيد -كما قلنا- قائمة معتبرة في الشرع.
إعلم أنه لا شك في ذلك ولا خلاف فيه بيننا وبين المعتزلة، وإنما الخلاف بيننا في أن اعتبار المصلحة من العبيد هو بفضل الله، أو هو حق واجب على الله لا يجوز عليه غيره، فنحن نقول: لا يجب على الله شيء، والملك ملكه، وكل شيء