للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة السادسة:

في الفرق بين الإِجارة والرزق، (١٤ م) فأقول:

إنهما اشتركا في أنهما وقع فيهما بذْل مال بإزاءِ منافعَ، غيرَ أنَّ بَاب الأرزاق أدْخَلُ في باب الِإحسان، وبابُ الأجارة أدْخَلُ في باب المكايَسَة. ويظهر تحقيق ذلك بسِتِّ مسائل:

المسألة الأولى: القضاة، يجوز أن يكون لهم أرْزاقٌ من بيت المال على القضاء إجماعا، ولا يجوزُ أن يُستَاجَروا على القضاءِ إجماعا، بِسبَب أن الأرزاق إعانةٌ عمَّا وجبَ عليهم من تنفيذ الاحكام عند قيام الحِجاج ونهوضها، ولو اسْتُوجِرُوا على ذلك لدخلت التهمة في الحكم. (١٥) ويجوز في الأرزاق أن تُرْفع وأنْ يُزَادَ فيها وأن يُقلَّل وأن يُقطَع، ولو كان ذلك إجارةً لوجبَ تسليمها نفسِها من غير زيادةٍ ولا نقْصِ، لأن الإِجارةَ عقْدٌ، والوفاء بالعقود واجسب، والأرزاق معروف، والأجرة في الإِجارة تورَث، والْأرزاق لا تُورَث.

المسألة الثانية: رزْق المساجد والجوامع يجوز أن يُنقل عن جهاتها إذا انقطعت أوْ وُجدتْ جهة هي أَوْلى لمصلحة المسلمين من الجهة الأوُلى، ولو كان ذلك وقفًا أو إجارة لَتعذَّر ذلك فهِا، لأن الوقف لا يجوز تغييرُه، والوفاء بعقد الإِجارة واجب. وأيضا فللإِمام أن يستنيبَ دائما، وتكونَ له الأرزاق على النظر لا على القيام بالوظيفة، بسبب أن الأرزاق معروف يدُورُ مع المصالح كيف دَارت، والوقْفُ لا يصح فيه شيءٌ من ذلك، بل إذا كان على الإِمامةِ فلا ياخذُه إلَّا مَن يقومُ بها على شرط الواقفِ، فإن استناب غيره دائما في ذلك الأمْر فلا أحدَ يستحق ذلك الوقف، لا الإِمامُ ولا النائبُ عنه، لأن الإِمام لم يَقم بشرط الوقف،


(١٤ م) - هي موضوع الفرق الخامس عشر والمائة بين قاعدة الارزاق وبين قاعدة الاجارات. جـ ٣. ص. ٣. ولم يعلق عليه الشيخ ابن الشاط بشيء، على ما فيه من طول نسبي عند القرافِى رحمهما الله.
(١٥) أي بمعاوضة صاحب العوض، ولذلك تجوز الوكالة بعوض، ويكون الوكيل عاضدًا أو ناصرا لمن بَذلَ له العوض، كما قال القرافي رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>