للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأطعمة]

قاعدة واحدة (١)

القصد من هذه القاعدة التفريق بين سباع الوَحْش وسباع الطير حتى كان التغليظ والتشديد في سِباع الوحش أكثر، فقيل بتحريم لحمها وبكراهة لحم سباع الطير، هذا على قول، فأقول:

إن الأغذيةَ لما كانت تُكْسِب المغتذى بها صفةً من صفات ذلك الحيوان الذي اغتُذى به، وكانت القساوة في سباع الوحْش أقوى مما هي في سباع الطيْر بكثير، فحسْبُك ما ترى من وثوب الأسد وغيْره من الحيوان الذي يفترس حيوانا آخر، حيث يَكْسِر أعضاءه بغير رفق في ذلك لحاجة له ولغير حاجة، فلما كان الأمر على هذا قضى بتحريمها، خوفا من اكتساب القساوة التي طُبعَتْ عليها، وسباع الطير لما كانت دون ذلك، من الفقهاء من رأى عدم اعتبار ذلك لخفَّتِها، فقال بجواز أكلها، ومنهم من فر من ذلك ولو كان يسيرا، فقال بعضهم بالتحريم، وقال آخرون بالكراهة. وأمْر الأخلاق تَسْري من حيث الأغذية معلوم.

وممّا يقال: ان العرب سَرَى إليها الكرم والحِقد من أكل لحم الإبل، والفُرْس اكتسبت القساوة من اكْل الخيل، والافرنج اكتسبت عدم الغيم من أكل الخنزير، والسودان أفادها الرقص أكل القِرَدة، والله تعالى أعلم.


(١) هي موضوع الفرق الثامن والثلاثين والماثة بين قاعدة تحريم سباع الوحش وبين قاعدة تحريم سباع الطير. جـ ٣. ص ٩٧. لم يعلق عليه بشيء، الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
قال عنه الإِمام القرافي رحمه الله في أوله: إعلَمْ إن النواهي تعتمد المفاسد، فما حرم الله تعالى شيئا إلا لمفسدة تحصلُ من تناوله. وقد أجْرَى الله عادته أن الأغذية تنقل الأخلاق لخلق الحيوان المتغذى به حتى يقال: إن العرب لما أكلتْ من لحوم الإبل حصل عندها فرط الإيثار بأقواتها، لأن ذلك شأن الإبل، فيجوع الجمع من الإبل الأيام، ثم يوضَعُ لها ما تأكله مجمتعة، فيضع كل منها فمه فيتناول حاجته من غير مدافعة عن ذلك الحب ولا طرد لمن يأكل معه. أما غيرها من الحيوانات فتتقاتل عند حوز الغذاء، وتمنع من يأكل معها ان يتناول شيئا، وهذا شيء مشاهد في السباع والأغنام فانتقل ذلك لخلق الأعراب .. الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>