هذا ما ظهر لي واستخلصته مما جاء عند القرافي والبقوري وغيرهم، رحمهم الله، رأيت الإشارة إليه بهذا التعليق في هذا الموضوع العلمي الدقيق، استنادا إلى أقوال هؤلاء الأئمة الأعلام، واستنارة برأيهم وفهمهم للنصوص والمقاصد، واهتداءً بفقههم في الدين، إن أصبتُ فيما استخلصته واستعرضْتُهُ وذكرته فمِن الله ومن حسن توفيقه، وإن أخطأت فمنى ومن قصوري. والخطأ والقصور في العلم والفهم كالنسيانِ، من شأن الإنسان، والعفوُ عند الله تعالى مرجو ومأمُولُ، واللهُ سبحانه من وراء القصد، وهو يهدِي السبيل، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب. (١١) هي موضوع الفرق الثاني والسبعين والمائتين بين القاعدتين المذكورتين: جـ ٤. ص ٢٥٩. وقد علق عليه الشيخ بن الشاط رحمه الله بقوله: ما قاله القرافي من أن الدعاء طلبٌ، صحيح. وها هنا قاعدة، وهي أن الصحيح أن طلب المستحيل ليس بمستحيل عقلا ولا ممتنع، فإن مَنَعَه الشرعُ امتنع وإلا فلا. وما قاله من أن الدعاء بترك تعذيب الكافر، وذلك مما يُعلَم وقوعُه سمعاً، طلبٌ لتكذيب الله تعالى فيما أخبر به، وطلبُ ذَلك كفرٌ، ليس بصحيح، من جهة أن طلب التكذيب ليس بتكذيب، بل هو مستلزِم لتجويز التكذيب عند من لا يُجَوز طلب المستحيل، وأما عند من يُجَوز طلب المستحيل فليس بمستلزم لذلك. ثم على رأي من لا يُجَوز طلب المستحيل، إنما يكون تكفيرُ مَن يَلزم من دعائه ذلك تكفيراً بالمآلِ، وقد حكى هو وغيرُه من أهل السنة الخلافَ في ذلك، واختار هو عدم التكفير، فجزْمُهُ بتكفير الداعي بذلك ليس بصحيح، إلا على رأي من يكفّر بالمآلِ، وليس ذلك مذهبَه. اهـ. (١٢) وقد أمر الله به عباده في قوله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: ١٨٦]. وفي قوله سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠].