للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود من ذكر هذه الأمثلة من أجناس مختلفة أن يظهر لك أن إطلاق القول بترجِيح الغالب على النادر ممَّا لا ينبغي، بل ما يكون ذلك إلّا بعْدَ بحْثٍ شديد، ومعرفة الباحث بالمسائل الفقهية والدلائل الشرعية، واستقرائه لذلك كله، فَبَعْدَهُ يصحُّ أن يحكم بترجيح الغالب. (١٦١)

وأيضا فلا ينبغي أن يقال: إذا تعارض الأصل والغالب فأيهما يرجَّحُ؟ قولان. فقد ظهر أجناس كثيرة، اتفق الناس فيها على تقديم الاصل وإلغاء الغالب، وذلك في القسم الاول الذي اعتُبِر نادِرُه، وقد اتفق الناس أيضا على تقديم الغالب على الأصل في أمْر البينة، فإن الغالب صدقها، والأصل برَآة الذمة، والتنبيه على هذا الغلط في الاطلاق هو المراد بهذه القاعدة.

القاعدة الرابعة عشرة:

في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا. (١٦٢)


(١٦١) قال القرافي هنا: فهذه أربعون مثالا قد سَرَدتها في ذلك من أربعين جنسا، فهي اربعون جنسا قد ألغِيتْ.
ثم وضع سؤالاِ عن نفسه وأجاب عنه قائلا:
"فإن قلت: أنت تعرضت للفرق بين ما ألغي منه وما لم يُلْغَ، ولم تذكره، بل ذكرت أجناسا ألغيت خاصة، فما الفرق، وكيف الاعتماد على ذلك؟
قلت: الفرق في ذلك المقام لا يتيسَّر على المبتدئين، ولا على ضَعَفَةِ الفقهاء، وكذلك ينبغى أن يُعلَم أن الاصل اعتبار الغالب، وهذه الاجناس التي ذكرتُ، استثناؤها على خلاف الاصل، وإذا وقع لك غالب، ولا تدرى هل هو من قبيل ما ألغي أو من قبيل ما اعتُبِر، فالطريق في ذلك أن تستقرئ موارد النصوص والفتاوى استقراء حسنا، معَ أنك تكون حينئذ واسع الحفظ، جيد الفهم، فإذا لم يتحقق لك إلغاؤه فاعتقدْ أنه معتَبَر. وهذا الفرق لا يحصل واسع في الفقهيات والموارد الشرعية، وإنما أوردت هذه الاجناس حتى تعتقد أن الغالب وقع معتبراً شرعا، تجزم أيضًا بشيئين: أحدهما: قول القائل: إذَا دار الشيء بين النادر والغالب فإنه يُلحق بالغالب. ثانيهما: قول الفقهاء إذا اجتمع الاصل والغالب فهل يغَلَّبُ الاصل على الغالب، أو الغالب على الاصل؟ قولان. وقد ظهر لك اجناس كثيرة ... الخ.
(١٦٢) هي موضوع الفرق الاربعين والمائتين بين القاعدتين المذكورتين: جـ ٤. ص ١١١. لم يعلق عليه العلامة المحقق ابن الشاط رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>