للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ذكر هنا شهاب الدين الكفر، وأطال الكلام فيه، ورأيت أن تأخِيرَهُ إِلى قاعدته التي ذكر فيها أوْلى، وإنما صحّ ذكر الكبائر هنا من حيث الضابط المذكورُ، فهي كالمثال لما ذكر أوّلاً، والله أعلم، وهُو الموفق للصواب. (٦٧).

القاعدة الخامسة عشرة (٦٨)

نقرر فيها الكلي والجزئي، والكل والجزء، ثم الحمل على الأجزاء أو الحمل على الجزئيات من حيث اعتبار الكل والكلي، فنقول:

الكُلُّ يُستعمل مع الأجزاء، والكلي يستعمل مع الجزئي، فمثال الأول كعشرة، إذ هي كل، وما تحتها أجزاءٌ لها. ومثال الثاني قولنا: الحيوان إنسان،


(٦٧) مما ذكره القرافي وهو يتحدث عن الفرق بين المعصية الصغيرة والكبير قولُهُ:
"وهذِه مواضع شاقة الضبط، عسيرة التحرير، وفيها غوامض صعبة على الفقيه والمفتى عند حلول النوازِلِ في الفتاوي والأقضية واعتبار حال الشهود في التجريح وعدمه. وأنا ألَخِّصُ من ذلك ما تيسَّر، وما لا أعرفه وعجزتْ قدْرتي عنه، فحظِّى منه معرفة إشكاله، فإن معرفة الإِشكال علم في نفسه، وفتحٌ من الله تعالى، فأقول:
إن الكبيرة قد اختلِف فيها، هل تختص ببعض الذنوب والمعاصي أمْ لا؟ فقال: إمام الحرمين وغَيره: إن كل معصية كبير، نظرًا إلى من عصى، وكأنهم كرِهوا أن تسمى معصية الله صغيرة، إجلالا لله تعالى وتعظيماً لحدوده .... ، وقال جماعة: بل الذنوبُ متقسمة إلى صغائر وكبائر، وهذا هو الأظهر من جهة الكتاب والسنة والقواعد، فذكر قول الله تعالى: "وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان"، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: الكبائر سبْعٌ، وقال: وأما القواعد فلأِن ما عَظُمتْ مفسدته ينبغي أن يسمَّى كبيرة، تخصيصا له باسم يخُصُّهُ، والصغيرة ما قلت مفسدتها، فيكون ضابط ما تُرد به الشهادة أن يُحفَظ ما ورد في السنة أنه كبيرة، فيلحق به ما في معناه، وما قصر عنه لا يقدحُ في الشهادة.
وعلق عليه الشيخ ابن الشاط بقوله: القواعد المستفادة من الكتاب والسنة تقتضى القطع بالتفاوت بين الذنوب في الذم والعقاب إن نَفَذَ الوعيدُ، ثم قال ابن الشاط: وما قاله القرافي في ضابط ما تُرد به الشهادة، صحيح. اهـ.
(٦٨) هي موضوع الفرق الحادي والعشرين بين قاعدة الحمل على أول جزئيات المعنى، وقاعدة الحمل على أول أجزائها، أو الكلية على جزئياته وهو العموم على الخصوص .. جـ ١ ص ١٣٤.
قال القرافي رحمه الله في أوله: "وهذا المعنى قد التبس على جمع كثير من فقهاء المذهب وغيرهم، وهذا الموضع أصلهُ إطلاق وقع في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الاسم، هل يقتضى الاقتصار على أوله أم لا؟ قولان. فلما وقع هذا الإطلاق للأصوليين عمل جماعة من الفقهاء على تخريج الفروع عليه، على خلاف ما تقتضيه هذه القاعدة ولابد من قاعدتين:

<<  <  ج: ص:  >  >>