للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوازع الطبيعي فيها، غير أن الفاسق قد يوالي أهلَ شيعته، فيؤثرهم بوليته: أختِه أو بنته، فتحصل لها المفسدة العظيمة، فاشتَرِطت العدالة لذلك، وكان اشتراطها تتمة، لا حاجيةً ولا ضروريةً، لأجل تعارُض هاتين الشائبتين، وهذا التعارض بين هاتين الشائبتين هو سبب الخلاف بين العلماء في اشتراط العدالة في ولاية النكاح، وهل تصِحُّ ولاية الفاسق أو لا؟ وفي مذهب مالك قولان.

وكذلك اشتراط العدالة في الأوصياء من باب التَّتمَّةِ أيضا، لأن الغالب على الانسان أنه لا يوصي على ذُريته إلا مَنْ يثِق بشفقته، فوازعه الطبيعي يكفي في تحصيل مصلحة الاولاد. ثم الْأمر فيه كما قلنا في ولي النكاح سواءٌ بسواء، وما عدا ذلك فلا تشترط فيه العدالة، كالإِقرار فإنه يُقْبل فيه قول البَرِّ وَالفاجِر، وهذا لأن الوازع الطبيعي معه، فهو لا يسوقه إلى مضرّة نفسه، وكذلك مسألة الدعاوى يصح فيها البَرُّ والفاجر، والمسلم والكافر، وإنْ كانت عكسَ الإِقرار، فإنه في الإِقرار يعترف بالحق عليه، وهنا يطلب غيره بشيء يقول: هو له، وقامت البينة هنا مَقام الوازع الطبيعي هنالك، بل كَان الرُكُون إليها أوْلى من العدالة، لأن، العدالة قد تتغيَّر في أقربِ وقت، ونحنْ لا نطلع على ذلك، فيوصَل بذلك إلى المضرّة، فاشْتُرطت البينةُ على المدَّعي، وسائرُ ما يقوم مقام البينة، والله أعلم.

القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات (٢١٨).

قال اللخمي: قيل: تضَم الشهادتان في الأفعال والأقوال، أو إحداهما والأخرى فعلٌ، وقيل: لا يُضَمَّان مطلقا، وقيل: تُضَمان في الأقوال فقط،


وهو غير سليم، والمقصود أن تلك الشفقة تمنعه من ألا يوقع بها غير المصلحة، وذلك ما توضحه عبارة القرافي حيث جاء فيها قوله:
بسبب أن الوِازع الطبيعي في الشفقة على الْمُوَلى عليها يمنع من الوقوع في العار والسَّعي في الِإضرار. فقَرُبَ عدم اشتراط العدالة (في الولاية على النكاح) كالإقرارات، لقيام الوازع الطبيعي فيها.
(٢١٨) هي موضوع الفرق التاسع والستين والمائتين بين قاعدة ضم الشهادتين في الاقوال، وبين قاعدة عدم ضمها في الافعال، جـ ٣. ص ١٧٧.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء في اول هذا الفرق عند القرافي رحمهما الله، فقال: مما قاله هنا حكايةُ أقوال، ونحو ذلك، ولا كلام فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>