للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو اشْتُرِطَتْ لتعطلت التصرفات الموافقة للحق في تَوْليَة من يُوَلونه من القضاة والولاة وغير ذلك، وفيه ضَرَرٌ عظيم أقبحُ من فوات عدالة السلطان، قال: واذا نَفَذتْ تصرفات البغاة بالإِجماع، فأوْلَى نفوذ تصرفات الولاة والائمة مع غلبة الفجور عليهم.

ومحل الحاجة كالإِمامة في الصلاة، فإن الأئمة شفعاء، والحاجة داعية لِإصلاخ حال الشفبع عند المشفوع عنده، (٢١٦) وإلَّا لا تقبل شفاعته، فيشترط فيهم العدالة، وكذلك المؤذِّن الذي يُعْتَمَد على إعلامه بدخول الوقت، ولم يقع خلاف في المؤذن المذكور، بخلاف المؤذن لنفسه، ولا اعتمادَ على أذانه من حيث الغير، فلا يشترط فيه شرط. ووقع الخِلاف في اشتراطها في الامام، فالشافعي لا يشترطها، ومالكٌ يشترطها.

وسببُ الخلاف أن الشافعي لا يرى بالربط بين الإِمام والمأموم، فصحَّ أن يكون إماما، فإنه لنفسه صلَّى، كما تصح صلاة الفاجر إن أتَى بشروطها، أو تفسد عليه وحده إن أخَلَّ بشئٍ من شروطها وأركانها. ومالك يرى بالربط، فاشترط ذلك، إذْ فساد صلاته يسْري إلى صلاة الماموم.

وأمّا محَلّ التتمة فكالولاية في النكاح، فلا تُشترط فيها العدالة، لأن الوازع الطبيعي الذي عندَ الولي من الشفقة على وليته ولحَاقِ الضرر به يمنعه من أن لا يوقع بها إلا المصلحة، (٢١٧) فلم يُحْتَج إلى اشتراط العدالة، وهذا كالإِقرار لقيام


= امته المجاهدة، وتزخر به وتشهد به كتب التاريخ من أعمالهم الجليلة، العلمية منها والعملية، الدينية منها والدنيوية، تحقيقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يبعث على رأس كل مائة من يجدد لهذه الامة أمر دينها"، وهو في عمومه شامل للولاة والعلماء الصالحين المصلحين في كل مكان وحين. فليتأمل في ذلك.
(٢١٦) إشارة إلى ما جاء في الحديث والأثر: "أئمتكم شفعاؤكم، فانظروا بمن تستشفعون". قال القرافي: والصلاة مقصد، والأذان وسيلة، والعناية بالمقاصد أوْلى، غير أن الفرق عنده (الشافعي) أن الفاسق تصح صلاته في نفسه إجماعا، وكل مصَلٍّ يصلى لنفسه، فلمْ تدْعُهُ الحاجة لصلاح حالَ الامام، ومالك ورى أن صلاة الماموم مرتبِطة بصلاة الامام، وأن فسقه يقدح في صحة الربط، فهذا منشأ الخلاف.
(٢١٧) كذا في نسخ هذا الترتيب والاختصار، وفي العبارة شيء يجعلها غير سليمة عند التأمل، فإبطال النفي يصير الكلام ويجعله مثبَتاً، فيكون الكلام: يمنعه من أن يوقع بها المصلحة، =

<<  <  ج: ص:  >  >>