للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الثامنة: (٩٧)

أقرر فيها وجه اختصاص المساجد الثلاثة بلزوم نذر المشي إليها دون غيرها فأقول:

قال عليه الصلاة والسلام: "لا تستعمل الْمَطِي إلا إلى ثلاثة مساجد، إلى المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد إيليا" (٩٨)، فقال قوم من العلماء: لا


(٩٧) هي موضوع الفرق الخامس والثلاثين والمائة بين قاعدة المساجد الثلاثة يجب المشي اليها والصلاة فيها إذا نذرها وبين قاعدة غيرها من المساجد لا يجب المشي اليها إذا نذر الصلاة فيها: جـ ٣، ص ٨٦.
قال القرافي رحمه الله في أوله: قال مالك رحمه الله في المدونة: إذا قال: عَلَيَّ أن آتي إلى المدينة أو بيت المقدس أو المشي اليهما فلا ياتي اليهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما أو ما يلازم ذلك، وإلا فلا شيء عليه. ولو نذر الصلاة في غيرهما. من المساجد صلى بموضعه، وقاله الشافعي وأحمد بن حنبل. وقال اللخمي: قال القاضي اسماعيل: ناذر الصلاة في المسجد الحرام لا يلزمه المشي إذا نذره. قال: والمشي في ذلك أفضل، لأن المشي في القرب أفضل، وهو قربة.
قال: ومقتضى أصل مالك أن ياتي المكي المدينة لأنها أفضل، فإتيانها من مكة قربة، بخلاف الإتيان من المدينة إلى مكة. وقدم الشافعى وأحمد بن حنبل المسجد الحرام عليها.
قال ابن يونس: يمشي إلى غير الثلاثة المساجد من المساجد إن كان قريبا كالأميال اليسيرة ماشيا ويصلي فيه. قال ابن حبيب: إذا كان بموضعه مسجد جمعة لزمه المشي اليه، وقاله مالك، وبه أفتى ابن عباس من بمسجد قباء، وهو من المدينة على ثلاثة أميال، وفي الجواهر: الناذر إن كان بمكة أو المدينة ونذر بيت المقدس يصلي في مسجد موضعه لانه أفضل، وإن كان بالمسجد الأقصى مضى اليهما. ويمشي المكي إلى المدينة، والمدنى إلى مكة للخروج من الخلاف.
وقد علق الفقيه المحقق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على ما جاء عند الامام القرافي رحمه اللهُ في هذا الكلام فقال: ما حكاه القرافي (من أقوال الأئمة والفقهاء في المسألة) لا كلام فيه. وما قاله من أن الحديث يقتضي عدم لزوم المشي إلى غيرها ليس كما قال، بل يقتضي عدم إعمال المطي إلى غيرها، والمراد بذلك، والله أعلم، ألا يتحمل مشقة السفر الذي يحوج إلى إعمال المطي إلا لهذه المساجد، فيبقى السفر الذي لا يحوج إلى إعمال المطي وما دون ذلك مما ليس بسفر مسكوتا عنه في الحديث. وما قاله من أن كل ما وجب المشي اليه وجب إعمال الرِّكاب إليه، وإلا فلا، دعوى لا حجة عليها فيما ذكر، والله أعلم.
(٩٨) حديث صحيح أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم وغيرهما عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى" اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>