للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا حلف فتعذر ذلك الفعل عقلا لم يحنث، إذا لم يمكنه الفعل قبل ذلك، وإن أمكنه ثم تعذر حنث. واختلف في المتعذر شرعا وعادة، فقيل: يحنث به، وقيل: لا يحنث. والفرق بينهما هو من حيث إن الناس إنما يقصدون بأيمانهم الحنث على الفعل الممكن لهم، وأما المتعذر عقلا فلم يوضع اللفظ في القسم حنثا عليه، فهو لا يوجب لذلك حنثا، لأن الحلف على الشيء مشروط بإمكانه، وفوات الشرط يقتضي عدم المشروط فلا يبقى الفعل محلوفا عليه.

والمتعذر العادي او الشرعي الممكن عادة مرة ينظر إلى إمكانه عقلا فيقال: هو محلوف عليه، ومرة ينظر إلى تعذره بالوجهين الآخرين فيقال: هو غير محلوف عليه للتعذر المذكور، إذ التعذرات كلها سواء.

ولأجل هذه القاعدة، إذا حلف ليذبحن حمامة، فقام مكانه فوجدها ميتة، قال ابن القاسم: لا حنث عليه، بخلاف لو حلف ليبيعن أمة فوجدها حاملا، يحنث عند ابن القاسم، لأن المانع شرعي. وسوى بينهما سحنون في عدم الحنث، وجرت مسائل على هذه القاعدة كما رأيت في هذا المثال (٩٦).


(٩٦) وذلك كمن حلف ليضربن امرأته إلى سنة فتموت قبل السنة لم يحنث بموتها وهو على بر، كما قاله مالك رحمه الله، وكالحالف ليركبن دابة فتسرق منه يحنث عند ابن القاسم، لأن الفعل ممكن عادة، وإنما منعه السارق، بخلاف موت الحمامة، وقال أشهب: لا يحنث لانه متعذر بسبب السرقة، فإن ماتت قبل التمكن بر لتعذر الفعل عادة، ومنع الغاصب والمستحق كالسارق، وقال اشهب: إن حلف ليصومن رمضان وشوال، إن صام يوم الفطر بر وإلا حنث.
وختم القرافي كلامه على هذا الفرق بتنبيه قال فيه:
معنى قول الأصحاب: الفعل متعذر عقلا، يريدون أن فعله من خوارق العادات، وإلا فيمكن عقلا أن الله تعالى يحُيْى الحمام والحيوان، حتى يتأتى فيه أفعال الاحياء، لكن ذلك خارق للعادة، بخلاف السارق ونحوه، لا يقال: إن الفعل مستحيل عادة، فإن من الممكن عادة، القدرة على السارق والغاصب، ويفعل ما خلف عليه، فهذا تحرير القاعديتن والفرق بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>