للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالصيد يتوحش، يزول مِلكه، والنحْلِ يَفِرُّ عن جَبْحِهِ، والسمكِ ينقلب للبحر بعد صيْده له فيصيدهُ غيرُه.

القاعدة الثالثة (١٢)

تقرر فيها الفرق بين الأسباب العقلية والأسباب الشرعية، فنقول:

السببُ العَقْلي أولى كالضياء عن قُرْص الشمس، والشرعى نحو بِعت وطلقت، وغير ذلك من الأسباب التي تَتَرتَّبُ عليها أحكام شرعية.

فإذا تقرر هذا، فنقول:

قال الأستاذ أبو إسحاق الإسْفَرايْني رحمه الله: يَثْبُتُ مسبَّبُ هذا القسم مع آخرِ حَرْف منه تشبيها للأسباب الشرعية بالأسباب العقلية، من حيث إن العلل العقلية لا يوجَد معلوُلها إلا حالةَ وجودها لا حالةَ عدمها (١٣)، فكذلك هذه الأسبَابُ الشرعية، إذا عُدِم آخرُ حرْف منها عُدِمتْ جملتها فلا توجب حكْماً،


(١٢) هي موضوع الفرق الواحد والثمانين بعْدَ المائة، جـ ٢. ص ٢١٨ بين قاعدة الأسباب العقلية، وبين قاعدة الأسباب الشرعية نحو بعْتُ، واشتريتُ، وأنت طالق، وأعتقْتُ ونحوه من الأسباب". ومع أن الشيخ ابن الشاط رحمه اللهَ تتبع كلام الإِمام القرافي في هذا الفرق وعقب عليه بما عقب عليه من تصحيح وتصويب لبعض الفقرات والمسائل، فإنه قلل من أهميته، وفائدته، وقال: هُو فَرْق لا طائل وراءهُ، والكلام فيه تعمّق في الدين وتكلف، ولا يتوصل فيه إلى اليقين.
قلت: لا أظن أن الإِمام القرافي رحمه الله، يغيب عن ذِهْنهِ وفكره ذلك الملحظ لهذه الدرجة، على جلالة قدره ومكانته العلمية وطُولِ باعِهِ في هذه القواعد الفقهية، فلعل التأمل في كلامه بتأنٍ، والنظَرَ فيه بتعمق يهدي ويوصل إلى أن وراء كلامه في هذا الفرق طائلا وفائدة، وقد سبق لي في قاعدة قبل هذه أن أشرتُ إلى أن إيراد مثل هذه المسائل هي بهدف شحذ الذهن وتقوية الفكر وتكوين ملكةٍ المناقشة والمناظرة العلمية، إضافة إلى ما ترمي إليه بالأساس من تقعيد قاعدة فقهية وتأصيلها، أو استنباط واستخلاص الوصول إلى الحكم الفقهى فيها، وما يتفرع عن ذلك من تبين وجهات نظر الفقهاء وأساس اختلاف الأئمة في بعض الفروع والجزئيات الفقهية، والله أعلم.
(١٣) عبارة القرافي هنا: تشبيها للأسباب الشرعية بالعلل العقلية، لأن العقلية لا توجبُ معلولها إلا حالة وجودها ... الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>