للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ السبب ينقسم إلى عقْلي وشرعى، ثم الشرعي ينقسم إلى ما هو شرط وإلى ما ليسَ هو شرطاً. ثم الذي ليس بِشرط ينقسم إلى ما هو بجَعْل الله، ليس للمكلَّف فيه دخَلٌ، كالزوال لِصلاة الظهر، وإلى ما للمكلَّف فيه دخَل، وهذا ينقسم إلى فِعلى. وقوْلي، فالفعِلي كالاصطياد سببٌ للملك، والقولي كالشِّراءِ سببٌ للملك أيضا.

فإذا تقرر هذا فنقول: اختلف الفقهاء، أيُّ سبب أقوَى؟ ، فَقِيلَ: الفِعلُ أقوى، لأن الأسباب الفعليةَ تصح من المحجُور عليهِ ولا تُرَدُّ، والأسباب القولية يُرَدُّ مقتضاها، ولا يمضي بيعُه وصدقتُهُ وقِراضُهُ، وغيرُ ذلك من الأسباب القولية لا يترتب عليها مسبِّبُها، واصطيادهُ وسائر أفعاله التي يَملِك بها لا يبطُل مسببها، وكذلك وطْؤُه لأمَتِهِ سَبَبٌ لأنْ تصيرَ أم ولد فتعتق، لا يبطُلُ أيضا، وعتقه لها يبطل ولا يمضى، مع أن العتق خيرٌ عظيمٌ في الشريعة.

وقيل: إن السبب القوْلي أقوى، لأن العتق بالقول يستعْقِبُ العتق، وبالفعل ليس كذلك، والسببُ الذي يستَعْقِبُ مسبَّبه (٩) أقْوى. وأيْضاً مما يدل على أن السبب القول أقوَى، أن التَّملُّك (١٠) بالِإحياء أضعفُ من التملك بالشراء، لأن التملك بالِإحياء إذا زال الِإحياءُ بطل الملك عند مالكِ (١١) ولا يبطُل المِلْكُ عند الشافعى ومالِكٍ في القولي إلا بِسَبَبٍ ناقِلٍ ولمالِكٍ فروع كثيرةٌ. تدل على هذا،


(٩) في النسختين: ع، ح، يستَعْقِبه مُسَبِّبُهُ، وعند القرافي: يستعقِبُ مسببّه، وهو أظهر، لأن المعنى أن المسَبِّبَ يكون عقِبَ السبب ويأتي بإثْره، وهو ما ينسجم مع أول هذه الفقرة عند البقوري، فلْيتأمَّلْ.
(١٠) في نسخة ع: التمليك.
(١١) وأصل التملك بالإحياء لموات الأراضى، وهي الأرض الخلاء التي لا مالك لها من قبل الفرد ولا من قبل الجماعة: حديث: "من أحْيَى أرضًا موَاتًا فهي له" أخرجه أصحاب السَّنَن. ومعْنى إحيائها، إعدادُها بالتهْيء، والتعمِير، وجعْلُها صالحةً للانتفاع بها في السكنَى والزرع ونحو ذلك، ولا يخلو كتاب من كتب الفقه على التبويب له، وبيان أحكامه التفصيلية، فليرجع إليها من تعلقت همته بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>