للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثبتت الكثرة، والكثرةُ محصورة في اثنتين، فلو قصد رفع الموصوفِ لم ينفعه الاستثناء، لما تقدم من الاستغراق. (٤٩)

القاعدة السابعة (٥٠)

نقرر فيها الفرق بين العرف القولي، يُقضَى به علي الألفاظِ وَيخصِّصها، وبيْن العرف الفِعْلى، لا يُقضَى به على الألفاظِ ولا يخصصا.

فالعرف القولي - أولًا - يكون في الفرد كالدابة للحمار، والغائط للنجْوِ، ويكون في المركبات كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (٥١)، و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (٥٢)، هذا وأمثاله كان أصلُه في اللغة أن يستعمل مع الأفعالِ لا معَ الأعيان، فيقال: حُرِّم عليكم أكل كذا وما أشبه ذلك، ولكن العُرف غلبَ عليه حتى كان يضاف إلى الأعيان، والمراد الأفعال الضافة إليها, وليس المراد كل الأفعال، بل أفعال خاصة. ومن ذلك قولهم في العُرف: أكلت رأسا، فهم يريدون رؤوس الأنعام دون غيرها إذا استعملوا الأكل معها، بخلاف ما إذا قالوا رأيت رأسًا فهم يركبونه مع رؤوس الأنعام وغيرها.

ومن هذا الباب قولهم: قتلَ زَيْدًا عَمْرًا، هو في اللغة موضوعٌ لإذْهاب الحياة، وغلب استعماله في بلاد المصريين على الضرْبِ خاصة. فيقولون: قتلتُه مائة قتلة، أي مائة ضربةٍ. ومن هذا الباب: فلانٌ يعصر الخمر، وإنما يعصر العنب


(٤٩) ذكر الإمام القرافي هنا في هذا الفرق رحمه الله أنه بسط مسائل الاستثناء في كتاب له هو: الاستغناء في أحكام الاستثناء، وقال عنه: إنه مجلد كبير، أحد وخمسون بابا واربعمائة مسألة، ليس في جميع ذلك إلا الاستثناء، والاستثناء من الصفة من أغرب أبوابه، وقد بسطته لك هنا (اى في هذا الفرق) بهذه المسائل، وظهر لك معنى هذه المسائل في الطلاق بسببه، ولولاه لم يُفهَمْ أصلاً البتة، فنفائس القواعد لنوادر المسائل، وجميع ذلك من فضل الله تعالى على خلقه، هدانا الله سواء السبيل في القول والعمل .. هـ كلامه رحمه الله ورحم كافة علماء المسلمين، والمؤمنين أجمعين.
(٥٠) هي موضوع الفرق الثامن والعشرين بين قاعدة العرف القولي يُقضى به على الألفاظ ويخصصها، وبين قاعدة العرف الفعلي لا يُقضَى به على الألفاظ ولا يخصصها. جـ ١ ص ١٧١.
(٥١) سورة النساء، الآية ٢٣.
(٥٢) سورة المائدة: الآية ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>