للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو قلت: عندى عشرة إلا عشرة لم يَجُز، وكذلك الاستثناء لا يعمُّ جُمَلًا سبَقته، ولكنه على قول، والشرط يكِرُّ (١١٧) على الجميع، وهذا، كما لو قلتَ: أكْرم العلماءَ، وأهِنْ الفُسَّاق، إلا بَنِي فلان، فإنه يُحْمَل على الفُسَّاق، ولو قلتَ: أكْرِم العلماء، وأهِن الفساقَ إن جاءوكَ لَحُمِل على الجميع.

وأما تأخُر الاستثناء في الزمان فإنه يجوز، بخلاف الشرط. وإنما كان ذلك: أمَّا تعجيل الشرط وعدَمُ تأخيره فمن حيث إنها اسباب كما تقدم بيانُه في الشروط اللغوية، والسبب متضمن لقصد المتكلم وهو المصلحة التي لأجْلِها نصَبَهُ شرطا وجَعَل عدمه مؤثرًا في العَدم، والاستثناءُ إذا لم يعجل به لم يفُتْ مقْصِد، بل حصَلَ.

وأمّا إبطال الكلام كُلّه بالشرط، وعَدَمُ جواز ذلك مع الاستثناء، فلأنه - إن فعَله في الاستثناء عُدّ كلامُه هَدرًا، وليس كذلك في الشرط.

القاعدة الثامنة (١١٨):

نقرر فيها الفرق بين توقف الْحُكْم على سببه، وبين توقفه على شرطه.

وقد تقدم السبب ما هو، والشرط، ما هو، وأقسام الشرط، فنقُولُ:

يُعْلَم السببُ ويتميز عَنْ الشرط بالحد، وقد سبق حَدُّ كلِّ واحد منهما، إلا أنا قلنا: الشرط، منه لغوي، ومنه غيْر لُغَوي، وقلْنا في اللغوي: إنه كالسبب في توقف الحكم عليه وجُودًا وَعَدَمًا، فلأِجْل هذا وضعْنَا هذِهِ القاعدة لِنُميِّزَ بين هذين وبينَ السبب والشرطِ الشرعى، فنقُولُ:


(١١٧) في نسخة ح. يكون، وفي الأولى ع يكر، وهو من كَرّ الفارسُ على قِرنه وعلى خصمه، يَكِرُّ عليه إذا رجَعَ عليه وانقض عليه في المعركة، ومنه قول شاعر العصر الجاهلي امرئ القيس في معلقته يصف فرسه بمحاسن الصفات:
"مِكَرٍّ مِفرٍّ، مُقْبِل مُدْبِرٍ معا ... كَجلمود صَخْرٍ، حَطَّهُ السيلُ مِنْ عَلِ
وبذلك تلتقى الكلمتان أو تتقاربان على معنى واحد بمعنى يعودُ ويرجع.
(١١٨) هى موضوع الفرق السادس من كتاب الفروق بين قاعدتي توقف الحكم على سببه وتوقفه على شرطه، جـ ١ ص ١٠٩ وقد علق عليه ابن الشاط بقوله: ما قاله القرافي في هذا الفرق السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر صحيح واضح، والله اعلم. رحمهم الله جميعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>