للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الزكاة]

وفيها ثلاث قواعد:

القاعدة الأولى: (١)

لِمَ كانت العروض تُحمَل على القِنْية حتى يُقصَدَ بها التجارةُ، وما كان من العروض للتجارة يُحمَل على التجارة حتى يُنْوَى بها القِنية؟ فأقول:


(١) هي موضوع (الفرق السادس والمائة بين قاعدة العروض تحمل على القنية حتى ينوي بها التجارة، وقاعدة ما كان أصله منها للتجارة، جـ ٢، ص ١٩٥.
والقِنية بكسر القاف اسم من الاقتناء، واقتنى الشيء بمعنى تملكه، وحصل عليه بالشراء أو غيره من الوسائل والاسباب المشروعة للاقتناء والتملك.
قال الامام القرافي رحمه الله في أول هذا الفرق:
هاتان قاعدتانِ في الذهب مختلفتان، ينبغي بيان الفرق بينهما، والسر فيهما.
فوقع لمالك في الدونة: إذا ابتاع عبدا للتجارة فكاتبه فعجز، أو ارتجع من مفلس سِلْعَةً، أو أخذ من غريمه عبداً في دَينه أو دارا فأجرها سنين رجع جميع ذلك لحكم اصله من التجارة، فإن كان للتجارة لا يبطل إلا بنية القنية، والعبد الماخوذ ينزل منزلة أصله.
قال سند في شرح الدونة: فلو ابتاع الدار بِقصد الغلة، ففي استئناف الحول بعد البيع، لمالك روايتان، ولو ابتاعها للتجارة والسكنى فلمالك ايضا قولان، مراعاة لقصد التنمية بالغلة والتجارة، أو التغليب للنية في القنية على نية التنمية، لانه الأصل في العروض، فإن اشترى ولا نية له، فهى للقنية، لأنه الاصل فيها.
قال القرافي: والفرق بين هاتين القاعدتين يقع ببيان قاعدة ثالثة شرعية تامة في هذا الموطن وغيره، وهي أن كل ما له ظاهر ينصرف إلى ظاهره، الا عند قيام المعارض أو الراجح لذلك، وكل ما ليس له ظاهر لا يترجح أحد محتملانه إلا بمرجح شرعى، كما نقله وذكره الشيخ البقوري رحمه الله. زاد القرافي هنا كلاما هاما ونفيسا وهو قوله: ولذلك انصرفت العقود الطلقة إلى النقود (أو العقود) الغالبة في زمان ذلك العقد، لأنها ظاهرة فيها، واذا وكَّل انسان انسانا فتصرف الوكيل بغير نية في تخصيص ذلك التصرف بالموكَّل، فإن ذلك التصرف من بيع وغيره ينصرف للمتصرف الوكيل دون موكله، لأن الغالب على تصرفاته أنها لنفسه، وكذلك تصرفات المسلمين إذا أطلقت ولم تقيد بما يقتضى حلها ولا تحربمها، فإنها تنصرف للتصرفات المباحة دون المحرمة لأنه ظاهر حال المسلمين، ولذلك تنصرف العقود والاعواض إلى المنفعة المقصودة من العين عرفا، لأنه ظاهرها، ولا يحتاج إلى التصريح بها، كمن استأجر قادوما فإنه ينصرف إلى النجر لانه ظاهر حاله دون العزاق

<<  <  ج: ص:  >  >>