للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يجوز لأحد أن يقلِده في ذلك ويُفْتي غيره بها، فإنه كما كُنَّا ننقضُ حُكْم الحاكم بذلك، فكذلك بل أحْرى هو ما قلناه هنا، واللهُ أعْلَمُ.

الحالة الثالثة. أن يصير طالب العلم إلى ما ذكرناه من الشروط مع الديانة الوازعة والعَدالة المتمكنة، فهذا يجوز له أن يفتِي في مذهَبه نقلا وتخريجا، ويعتمد على ما يقولهُ في جميع ذلك.

القاعدة الثانية (٤)

نقرر فيها السبب الذي من أجله ارتفع الخلاف في مسائل الاجتهاد بعد حكم الحاكم وصارَ كل مجتهد إلى ما حكم به الحاكم، وقد كان الخلاف مقرّرا قبل الاجتهاد، غيرَ مرتفع، فنقول:

كان ذلك من حيث إن القصد بوضع الحاكم للحكْم، إنما هو رفْعُ التشاجُر والتنازع، لما في ذلك من الفساد، فإذا جوزنا بقاء الخلاف بعد حكم الحاكم، فنحن قد قضينا بإبطال ما بِسَببه وُضِع ونُصِّبَ الحاكم في الشريعة، وكان ذلك مؤدِّيا إلى دوام التنازع والتشاجر وحصول الفساد دائما، وذلك باطل.


(٤) هي موضوع الفرق السابع والسبعين بين قاعدة الخلاف يتقرر في مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم، وبين قاعدة مسائل الاجتهاد يَبْطل الخلاف فيها ويتعيَّن قول واحد بعد حكم الحاكم". جـ ٢ ص ١٠٣. وذلك القول هو ما حكم به الحاكم على الأوضاع الشرعية.
قال شهاب الدينِ القرافي رحمه الله في أول الكلام على هذا الفرق: إعلَمْ أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفَع الخلاف، ويَرْجعُ المخالِفُ عن مذهبه لمذهب الحاكم، وتتغيَّرُ فتْيَاه بعد الحكم عما كانت عليه، على القول الصحيح من مذاهب العلماء ..
وقد علق الفقيه ابن الشاط على كلام القرافي هذا بقوله:
قلت: ما قاله القرافي يوهم أن الخلاف يبطل مطلقا في المسألة التي تعلق بها حكم الحاكم، وليس الامر كذلك، بل الخلاف يبقى على حاله، إلا أنه إذا اسْتُفتي المخالِفُ في عيْن تلْك المسألة التي وقع الحكم فيها لا تسوغ الفتوى فيها بعينها، لأنه قد نفذ منها الحكم بقولة قائل ومضَى العمل بها، فإذا استفْتِيَ في مثْلِها قبْلَ أن يقع الحكم فيها أفتَى بمذهبه على أصْله، فكيف يقُولُ: يَبْطُلُ الخلاف، ولو بطل الخلاف لما ساغ ذلك، نعَم يبطُلُ الخلاف بالنظر إلى المسألة المعيَّنَة خاصة ... اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>