للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي من باب المُناسِب الذي اعتُبِر نوعُهُ في نوع الحكم، أو جِنسُه في نوْعِ الحكم (٢)، وهل هي من باب المصلحة المرسَلة التي في أدنى رتب المصالح أو من قبيل ما شهِدتْ له أصول الشرع بِالاعتبار؟ ، وهل هي من باب قياس الشبَه أو المناسب، أو قياسِ الدلالة، أو قياس الإحالة، أو المناسب القريب إلى غير ذلك من تفاصيل الأقيسة ورتبِ العلل في نظر الشرع عند المجتهدين، فبهَذهِ الأشياء يَعرف الفُروقَ بيْن المشتبهات، فمَنْ لا يحيط بها كيف يَعْرفُها؟ فلَعَلَّ الفَارقَ عند إمامِهِ وهو لا يعرفه، فيمْتنع عليه حينئذ الفتوى بما ذكرنا من التشبيه.

وكذلك الحكم في إمامِه، إن لم يكن عارفا بهذه الأمور التي شأنُها أن تعِينَه على استنباط الأحكام من أدلتها، وإلَّا لم يصح تقليدُهُ. (٣)

ثم المجتهد الذي يصح تقليده لوجود الشروط فيه قد يَغْلَطُ، فتأتي له فتوى على خلاف الإِجماع أو القواعِد أو النص أو القياسِ الجَليّ السالمِ عن المعارضِ،


(٢) المناسِبُ في اصطلاح علماء أصول الفقه هو: وصْف ظاهرٌ منضبط يلزم من ترتيب الحكم على وفْقِه حصوُل ما يَصْلحُ أن يكون مقصوداً للشارع من شرع الحكم، سواءٌ أكان ذلكِ الحكم نفيا أو إثباتا، وسواءٌ أكان ذلك المقصودُ جلْبَ مَصلحةٍ أو دَفعَ مَفْسَدَةٍ، كالبيع، فإن المقصود من شرعه هو حصول الملِك، وحكمهُ (أي البيع) الحل والجواز، والوصْفُ المناسبُ هو دفع الحاجة بالمعاوضة، والحكمة المقصودة من شرع البيع هي المِلْك. وكالقِصاص فإن الوصف المناسِب هو القتل العَمْدُ العُدْوانُ، والحكم وجوبُ القصاص، والحكمةُ المقصودة من شرعه الانزجار عن القتل، وحِفْظُ النفوس، مصداقا لقول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} الخ. اهـ. وللتوسع فيه باعتباره مسلكاً من مسالك العلة يُرجع إلى كتب أصول الفقه.
(٣) تعبير شهاب الدين القرافى في هذه المسألة أظهر وأوسَعُ حيث قال رحمه الله:
وسبب ذلك (أي سبب جواز الفتوى بما في فُروع المذهب للمطلع عليها في المختصرات والحواشى مع عدم التخريج لمسائل أخرى وتشبيهها بها فيما عنده من مسائل محفوظة)، أن الناظر في مذهبه، والمخَرِّج على أصول إمامه، نِسْبَتُهُ إلى مذْهبه وإمامه كنسبة إمامِهِ إلى صاحب الشرع في اتِّباع نصوصه والتخريج على مقاصده، فكما أن إمامه لا يجوزُ له أن يقيس مع قيام الفارق، لأن الفارق مبْطِلٌ للقياس، والقياسُ الباطِل لا يجوز الاعتماد عليه، فكذلك هو أيضا لا يجوز له أن يخَرجَ على مقاصد إمامه فرعاً على فرع نصّ عليه إمامُهُ، مع قيام الفارق بينهما، لأن الفروق إنما تنشأ عن رتب العلل، وتفاصيل أحوال الأقْيسَة .. إلى آخر ما أورده في هذا الفرق، ولخصهُ البقوري.

<<  <  ج: ص:  >  >>