للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: لو كان المرادُ بها الازواج لقيل: إلا أن يعفون، أو يَعْفون (٦٤)، فكان يذكر الازواج بالمضمر، لأنه قد سبق ذكرهم، ولا يقع الظاهر مَوْقِعَ المضمر إلا لضرورة، أو لمعْنًى زائد، وليس شيء من ذلك هنا.

وقوله تعالى: "إلا أن يعفون" ليست الواو ضميرا، بل هي من نفس الفعل، لانه من عفا يعفو بالواو. يقال للمؤنث: يعفون كما يقال فيما أصلُهُ الياء: يرمِين، وفيما أصْلُهُ الهمرُّ: قَرأنَ.

القاعدة الثالثة عشرة

أقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه، (٦٥) فأقول:

إن النكاح لا يُذكر عن أحد من العلماء أنه يقول: تكفي فيه المعاطاة، خلاف البيع فإنه قيل: تكفي المعاطاة فيه.

ثم إن العلماء في النكاح، منهم من ضيَّق فقال: لا ينعقد إلا بلفظ التزويج والنِّكَاح، لأنهما المذكوران في القرآن، قاله الشافعي وابن حنبل، وقاله أصحابنا. ذكره صاحب المقدِّمات، وقال: وفي الهبة قولان: المنعُ كمذهب الشافعي،


(٦٤) كذا في نسختي ع، وح، باثبات النون، في الفعل الثاني، وفي ت: (أو يعفو الأزواج بالمضمر). والصواب حذف النون في النسختين الأولين لكون الفعل المضارع مسندا لجماعة المذكر ومنصوبا، وفي نسخة ت لَا يستقيم الكلام إلا بتقدير، لأن فيه حذفا مستفادًا من العبارة الآتية بعدُ في الاصل، وهي: "فكان يذكر الازواج بالمضمر"، فسقطت فيها عبارة: "فكان يذكر"، وما عند القرافي هنا في هذا الوجه أظهر ويعْطي المسألة وضوحا ويزيدها بيانا أكثر حيث قال: "وتاسعها (أي الوجوه) أن الخطاب كان مع الازواج بقوله تعالى: "وقد فرضتم لهن فريضة"، وهو خطابُ مشافهة، فلو كانوا مرادين بقوله تعالى: "الذي بيده عقدة النكاح"، قال: "أو تعْفو بلفظ تاء الخطاب، فلما قال: "أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، وهو خطاب غيبة لازم تغيُّر الكلام من الخطاب إلى الغيبة، وهو، وإن كان جائزا، لكنه خلاف الاصل".
على أن ما قاله الشيخ البقوري واختصره هنا هو كذلك ظاهر وسليم إذا حذفت النون من الفعل الثاني، أمَّا الأول فنونُه نون النسوة، وهو على وزن يفْعُلنَ كما قال، فليُتَأَمل ذلك وليحقق، ولْيُرجع فيه إلى كتب التفسير، خاصة تفسير الإِمام القرطبي رحمه الله.
(٦٥) هي موضوع الفرق السابع والخمسين والمائة بين قاعدة البيع، توسَع العماء فيه حتى جوز مالك البيع بالمعاطاة، وهي الافعال دون شيء من الاقوال، وقاعدة النكاح وهي التشديد فيها في اشتراط الصيغ ... " جـ ٣. ص ١٤٣. وقد جاء عند الشيخ خليل في أول البيوع من مختصره الفقهي المالكي قوله: بابٌ، ينعقد البيع بما يدل على الرضى وإنْ بمعاطاة ... الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>