قال القرافي رحمه الله في أول الكلام على هذا الفرق: إعلمْ أن العلماء أطلقوا في كتبهم حمل المطلق على المقيد، وحكوا فيه الخلاف مطلقًا، وجعلوا أن حمل المطلق على المقيد يفضى إلى العمل بالدليلين: دليل الإطلاق ودليل التقييد، وأن عدم العمل يفضى إلى الغاء الدليل الدال على التقييد، وليس الأمر كما قالوا على الإطلاق، بل هما قاعدتان متباينتان في هذه الأبواب المتقدم ذكرها. وبيان ذلك أن صاحب الشرع إذا قال: أعتقوا رقبة ثم قال في موطن آخر: "رقبة مؤمنة"، فمدلول قوله رقبة، كلي وحقيقة مشترك فيها بين جميع الرقاب، وتَصْدق بأي فرد وقع منها، فمن أعتق رقبة فلان، فقد أعتق رقبة وإذا كانت مؤمنة، فقد وفي بمقتضى الإطلاق والتقييد وجمع بين الدليلين، وهذا كلام حق ... الخ. وقد عقب ابن الشاط على كلام القرافي هنا فقال: قوله: مدلول رتبة كلي، وحقيقة مشترك فيها بين جميع الرقاب، ليس بصحيح، بل مدلول لفظ رقبة مطلق لا كلي، والمطلق إنما هو الواحد المبهم مما فيه الحقيقة، والكلي هو الحقيقة الواقع فيها الاشتراك عند من يقول: بإثبات الحقائق المشترك منها. وقوله: "وتَصْدُق (أي الرقبة) بأي فرد منها" صحيح، لكن لا من الوجه الذي أشار إليه، ولكن من جهة أن مقتضى الإطلاق, الأمر بواحد غير معين، فإذا اوقعه أجزأ، والوجود اقتضى التعبير لا الوجوب.