للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: الفرق بين الصفة والنية أن الصفة لفظ له مفهوم (اي مفهوم المخالفة)، بخلاف النية، فكان دالا بمفهومه على عدم اندراج غير الكتان في اليمين، والنيةُ لا تدل كذلك.

فإن قلت: اعتمدت في الجواب على القول بدلالة المفهوم، فمن لا يقول به لا يتم له الجواب، لكن الإجماع منعقد ها هنا عند من يقول بالمفهوم، وعند من لا يقول به أنه لا يحنث بغير الكتان إذا قال: والله لا لبست ثوبًا كتانا، فيحتاج إلى الفرق بين هذا وبين الصفة في غيره، فإن الصفة - ها هنا - ظهر اعتبار المفهوم فيها عند من لا يقول به في غير هذه الصورة، قلنا: الفرق عند القائل بعدم المفهوم هو أن هذه الصورة لم تستقل فيها الصفة بنفسها، فصيرت الأصل غير مستقل، ورجع الكل كلامًا واحدًا دالا على ما بقى، ومخرجا لغير الكتان.

وأما إذا قال صاحب الشرع: "في كل اربعين شاةً شاةٌ"، فهذا عموم مستقل، ولم نجد معه ما يجب أن يصيره غير مستقل بنفسه، مثبت العمل بجميع أفراده، فإذا ورد بعد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "في الغنم السائمة الزكاة"، (٧٠) فالقائل بأن المفهوم ليس بحجة لا يخصص ذلك العامّ به، وإنما يخصصه من يقول به، والله الموفق للصواب.


(٧٠) حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري وبعض اصحاب السنن: بنص: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة، شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين". شاتان إلخ، والسائمة من الإبل والبقر والغنم والمعز هي التي ترعى في المرعى، ولا اعتبار بهذا الوصف في مذهب الإمام مالك، ولا يوخذ منه مفهوم المخالفة، فالزكاة في الماشية من الأنعام واجبة، سواء في السائمة (أوالمعلوفة، وهو المعتمد في المذهب المالكي، وهو ما أفصح عنه الشيخ خليل بن إسحاق المالكي رحمه الله تعالى حين قال في اول الزكاة، من مختصر الشهير: "باب، تجب زكاةُ نصاب النعَم بملْك وحول كملا، وإن معلوفة وعاملة ونتاجا"، والزكاة في النعم (من الإَبل والبقر والغنم)، ولو كانت معلوفة، وفي السائمة منها من باب أولى وأحرى، إذ هي محل اتفاق واجماع.

<<  <  ج: ص:  >  >>