للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى المداهنة معامله الناس بما يحبون من القول (١٠٨).

واعْلَمْ أنها تختلف بحسب اختلاف الاحكام الخمسة، فقد تكون حراماً كشكْر الظلَمَةِ، لأنها وسيلة لتكثير الظلم، وقد تكون واجبا إذا توصل به لدفع ظلم حرّم أو محرمّات لا تندفع الا بذلك، وقد تكون مندوبا إن كانت وسيلة لمندوب، وقد تكون مكروهاً، إن كانت عن ضَعف لا لضرورة تتقاضاه، أو تكون وسيلة للوقوع في مكَروه، وقد تكون مباحاً، وذلك بأن يشكَر من يَتقي شرّه بأن يذكر ما فيه من الصفات الحسنة ويُعْرض عن مساوئه (١٠٨ م).

القاعدة العاشرة:

في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً.

إعْلَمْ أن النهي يَعتمد المفاسد كما أنَّ الأوامر تعتمد المصالح.

فأعْلى رتب المفاسد الكُفْرُ، وأدناها الصغائر، والكبائرُ متوسطة بين المرتبتين (١٠٩).


(١٠٨) قال القرافي: ومنه قوله تعالى في سورة ن: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي هُمْ يوَدونَ لو أثنيت على أحوالهم وعباداتهم فيقولون لك مثل ذلك، فهذه مداهنة حرام، وكذلك كل من شكر ظالما على ظلمه، أو مبتدعا على بدعته، أو مبطِلا على ابطاله وباطله فهي مداهنة حرام، للعلة التي ذكرها البقوريِ. وروي عن أبي موسى الاشعرى أنه كان يقول: إنَا لنشكر (أو لنَبشُّ) في وجوه قوم، وإنَ قلوبنا لَتَلعنهم".
وختم القرافي كلامه في هذا الفرق بقوله: فانقسمت المداهنة على هذه الاحكام الخمسة الشرعية، وظهر حينئذ الفرق بين المداهنة المحرمة وغيرها. وقد شاع بيْن الناس أن المداهنة كلها محرمة، وليس كذلك، بل كما تَّم تقريره.
قلت: ولعل من هذا المَعْنى الجائز شرعا في المداهنة ما جَاء في قول زهير ابن أبي سلمى في معلقته.
ومن لم يُصَانع في أمور كثيرةٍ ... يُضَرسْ بأنياب ويُوطأ بِمَنْسِمِ
ومن يجعلَ المعروف من دون عرضه ... يفِرْهُ ومن لا يتّقِ الشتم يُشْتَمِ
(١٠٨ م) هي موضوع الفرق الواحد والاربعين والمائتين بين قاعدة المعصية التي هي كفر، وقاعدة ماليس بكفر" جـ ٤. ص ١١٤.
(١٠٩) قال ابن الشاط هنا إن أراد (أي القرافي) المفاسد بمقتضى الشرع فلا شك أن الكفر أعظم المفاسد، وما عداه تتفاوتُ رُتَبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>