الأمر به، والنهى عنه، وما لا يكتسب كحسن الصور، وحدة العقل، ووفور الحواس، وشدة القوى، أو الرقة والرحمة والغيرة وما أشبه هذه، وضد هذه كقبح الصورة، وسخافة العقل، وضعف الحواس، والقوى، والغلظة، وغير ذلك مما يشبهها، فهذه أشياء لا طاقة على اكتسابها للعبد، فهو لا يؤمر بشيء من ذلك، ولا ينهى عنه، ولكنه يقع الامر بآثارها، والنهى عن آثار الضد الآخر، فمن أطاع بحسب ذلك فقد أصاب، ومن عصى فقد خاب.
القاعدة السابعة: فيما به يعرف ترجيح المصلحة والمفسدة.
إعلم أنه اذا اتحد نوع المصلحة والمفسدة كان التفاوت بالقلة والكثرة، كالصدقة بدرهم ودرهمين وثوب وثوبين.
قلت: ويقول بعض العلماء هنا: قد يتحد النوع ويتساوى المقدار، ويكون الترجيح بالحكم، كدرهم من الزكاة الواجبة، هو أفضل من درهم من صدقة التطوع. وان كان أحد النوعين أشرف قدم الأشرف عند تساوى المقدارين كتقديم زنة درهم من الذهب على درهم من فضة. وان اختلف المقدار، فإن كان الأدنى أعظم مقدارا من الأعلى بكثير قدم الأدق وإلَّا قدم الأشرف.
ولا خفاء أن حرمة الدماء آكَد من حرمة الأعضاء، وحرمة الأعضاء آكد من حرمة الأبضاع، وحرمة الأبضاع آكد من حرمة الأموال، وحرمة الأقارب آكد من حرمة الأجانب، وحرمة الآباء والأمهات آكد من حرمة جميع القرابات، وحرمة الأحرار آكد من حرمة الأرقاء، وحرمة الأبرار آكد من حرمة الفجار، وحرمة الأنبياء آكد من حرمة الاولياء، وحُرمة الرسل آكد من حُرمة الأنبياء.
وبهذا الاعتبار نقول: يقدم حقظ الأرواح على حفظ الأعَضاء، وحفظ الأعضاء على حفظ الأَبضَاع، وحفظ الأَبضاع على حفظ الأموال، وحفظ المال الخطير على حفظ المال الحقير، وحفظ الفرائض على حفظ النوافل، وحفظ الأفضل من الفرائض على حفظ الفضول منها، وكذلك الأمر في النوافل.