للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الثالثة: والعشرون:

أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم، (١٣٢) فأقول:

إعلَمْ أن الأصل في العقود اللزومُ، لأن العقد إنما شُرِع ليحصُلَ المقصود من المعقود به أو المعقودِ عليه، ودفعُ الحاجات يناسِبُ ذلك اللزوم، دفعًا للحاجة وتحصيلا للمقصد.

ثم ان العقود بعد هذا أنقسمت قسمين: أحدهما كذلك، كالبيع والإجارة والنكاح والهبة والصدقة وعقود الولايات، فإن التصرف المقصود بالعقدِ يحصل عقِب العقد، والقسم الآخَرُ مصلحتُه مع الجواز لا مع اللزوم، وهذه خمسة عقود: الجعالة، والقراضُ، والمغارسة، والوكالة، وتحكيم الحاكم، ما لم يشرعا في الحكومة. فالجعالة لو جُعِلت على اللزوم لكان فيها ضرر عظيم، فإنما بُنيتْ على الجهل، فلو اطَّلعَ على بُعد الآبِقِ مثلا لكنا قد طوَّقناه المضرَّةَ حينئذ، كذلك المقارِض قد يتَّصل به أن السلع متعذرة أو لَا ريح فيها، فلوْ ألزمناه ذلك لأضررنا بالعامل، وكذلك الغارس قد يطلع على تعذر ذلك العمل وأنه لا يفيد فائدة. وكذلك الوكالةُ قدْ يَطلع فيما وُكِّل عليه على تعذرٍ أو ضرَرٍ، فجُعلت على الجواز، وتحكيم الحاكم خطرٌ على المحكوم عليه، (١٣٣) فجُعلت هذه على الجواز لا على اللزوم.

القاعدة الرابعة والعشرون:

أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد. (١٣٤)


(١٣٢) هي موضوع الفرق التاسع والمائتين بين القاعدتين الذكورتين جـ ٤ ص ١٣. لم يعلِّقْ عليه بشيء، الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
(١٣٣) زاد القرافي قوله: لما فيه من اللزوم إذا حكَمَ، فقد يطلع الخصمان على سوء العاقبة في ذلك، فلا يشرع اللزوم في حقَّيْهما، نفيا للضرر عنهما، واشترك الجميع (أيْ هذه العقود) في عدم انضباط العقدِ بحصول مقصُود فكان الجميع على الجواز.
(١٣٤) هي موضوع الفرق الثامن والمائتين بين القاعدتين المذكورتين: جِ ٤. ص ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>