للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدعاء فلا يُكرَه، ويصِيرُ مستعمَلا لغير الدعاء، وهذا كقوله عليه السلام: "تربَتْ يداكِ"، (٨٠) ولقوله: "والله يُغفرُ لك"، كما جاء في حديث جابر عند تبايُعَه في الجمل الذي اشتراه منه عليه السلام. وفي الحديث: "وهي كلمة كانوا يقولون".

القاعدة الخامسة:

في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب. (٨١)

ظاهر كلام أَصحابنا أن التوجّه للكعبة لا يسوغ فيه التقليد مع القدرة على الاجتهاد، ونَصّوا على أن القادر على التعلّم يجب عليه التعلم. ومعْظَم أدلة


= وهذه العبارة والفقرة آخر جملة وعبارة استكمل بها الامام شهاب الدين القرافي رحمه الله كتابه الفروق، وختمه بقوله: "وهاهنا انتهى ما جُمع من القواعد والفروق، والله أعلم بالصواب".
(٨٠) وردت هذه الكلمة في موضوعين وحديثين فيما يحضرني من الاحاديث النبوية، أشار إلى مضمونهما باختصار شهاب الدين القرافي في هذا المقام:
١) الاول: عن أم سلمة رضي الله، عنها قالت: جاَت أمُّ سُليم، (هي والدةُ أنس بن مالك رضي الله عنه، خادِمِ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقالت: يا رسولَ الله، إن الله لا يستحْيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلَمتْ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعَمْ، إذا رأت الماء، فقالت أم سلمة: يا رسولَ الله، وتحتلم المرأة؟ فقال: تَرِبَتْ يداكِ، فبِم يشبهها ولدها"؟ رواهُ الشيخان: البخاري ومسلم، وأبو داود رحمهم الله.
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تُنكَح المرأةُ لأربع: لمالها، ولحسَبها، ولجمالها، ولديها، فاظفَرْ بذات الدِين، تربَتْ يداكِ" رواه الشيخان، وأصحاب السنن: أبو داود والترمذي والنسائي رحمهم الله.
والمعنى الاجمالي. لهذا الحديث أن الباعث الذي يَيْعَثُ الرجل على التزوج بامرأة مَّا، ويُرَغّبُهُ في ذلك أحدُ أمور أربعة: إما المالُ، أو الحسَبُ (وهو الفعل الجميل والخصال الحميدة والسمعة الطيبة لِأسرتها)، وإما الجمالُ، وإما الدِين، وقد يكون هذا الباعث الأخيرُ آخرَ ما يفكر فيه الراغب في الزواج، فأمرَهُ - صلى الله عليه وسلم - وأرشده إلى أن يجعله في المرتبة الاولى قبْلَ غيره من الاعتبارات الاخرى، ولذلكم ختم - صلى الله عليه وسلم - حديثه بالأمر والإِرشاد إلى الظفَر بذات الدين، فإنَّ مَن لم يظفر بها تربت يداه، أي التصقت بالتراب. والعبارةُ كناية عن المآلِ والمصير إلى افتقار مَنْ لم يظفر بذات الدِين، وعن احتياجه في الحياة. والكلمةُ خرجتْ مَخرج الغالب فيما تَعوَّده العربُ من مثل هذه الكلمات في المخاطَبَات، لا أنه قصَد بها الدعاءَ هنا كما جاء في حديث آخرَ صحيحِ:
"الدنيا كلَّها متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة".
(٨١) هي موضوع الفرق الواحد والسبعين بين القاعدتين المذكورتين. جـ ٤. ص ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>