للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجاب شهاب الدين عن هذا بأن قال: تطْويقه إنما كان عقوبة، لَا لأجل مِلك صاحب الشِّبرِ فيه، ولا يلزم من العقوبة بالشيء أن يكون مملوكا لغير الله تعالى. (١١٤)

قلت: لا يتحقق العدل الَّا على ما قاله المستدل، وقاعدة العَدْل تُنقَض على شهاب الدين، رحمه الله تعالي، والله أعلم.

القاعدة العشرون:

أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة (١١٥) فأقول:

من الناس من يعتقد أنهما بمعنى واحد وليس كذلك، بل كل واحد منهما أعم من الآخر بوجه وأخص بوجه، إذ قد يوجدان معا، وقد يوجد أحدهما دون الآخر كالحيوان والأبيض، فالصبيان المميِزُون يصح بيعهم وشراؤهم، ويقف اللزوم على إجازة الولي. والشافعي يقول: لا يجوز ولا ينعقد أصلا. وابن حنبل يقول: ان أذن له الولي ثم عقَدَهُ صح، وإلَّا فلا. واتفق الجميع على عدم الذمة في حقه،


(١١٤) قال ابن الشاط معلّقا على هذا الجواب عن الحديث عند القرافي: لا شك أن في الحديث إشعارًا بملك ما تحت الشبر من الأرضينَ من جهة أن القاعدة أن العقوبة تكون بقدر الجناية. وما قاله من أنه لا يلزمُ من العقوبة بأن يكون مملوكا لغير الله تعالى، لا يدفع ذلك الإشعار، والله أعلمُ.
(١١٥) هي موضوع الفرق الثالث والثمانين والمائة بين القاعدتين المذكورتين. جـ ٣. ص ٢٢٦. قال في أوله الإِمام القرافي رحمه الله: إعلم أن الذمة قد أشكَلَتْ معرفتها على كثير من الفقهاء، وجماعة يُعتقدون أنها أهلية المعاملَة، فإذا قلنا: زيْدٌ له ذمة، معناه أنه أهْل لأن يعامَلَ، وهُما حقيقتان متباينتان، بمعنى أنهما متغايرتان، وتحقيق ذلك التغاير بينهما أن كلّ واحدة منهما أعم من الاخرى بوجهٍ، وأخصُّ من وجه، فإن التصرف يوجد بدون الذمة، والذمة توجد بدون أهليةِ التصرف، ويجتمعان معًا كالحيوان والأبيض ... الخ
وقد علق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على ما جاء في أول هذا الفرق فقال: ما قاله في ذلك صحيح، وما قاله بعدُ من حكاية أقوال لا كلامَ فيه. وما قاله من أن الصبي لا ذمة له، فيه نظر، فإن كانت الذمة كون الانسان قابلا للزوم الحقوق والتزامها شرعا فالصبي لاذمة له، وإن كانت الذمة كونَه قابلا للزوم الحقوق دون التزامها، فالصبي له ذمة، للزوم أرش الجنايات وقيم المتلَفات له، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>