للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرق كان، (١١١) لأن الناس تتوفر دواعيهم على العلو لأجل النظر إلى المواضع البعيدة من الأنهارِ وغيرها، ولمقاصد جمَّةٍ، ولا يتشوفون في السفل إلا إلى الأساس فقط. وقاعدة الشرع أنه إنما يُمَلِّك لأجل الحاجة، وما لا حاجة فيه لا يشرَعُ فيه المِلك، فلهذا لم يُمَلِّك ما تحت الأبنية، (١١٢) ومن رأي تملك ما تحت الارض فقد استدل بقوله عليه السلام: "من غصَب شبرًا من ارض طوِّقَه يوم القيامة إلى سبع أرَضِين" (١١٣).


(١١١) عبارة القرافِي: وسرُّ الفرق بين القاعدتين أن الناس شأنهم توفر دواعيهم على العلو ... الخ. وقد علق الشيخ ابن الشاط على ذلك بقوله: ما قاله من أنه لا تتوفر الدواعي في باطن الارض على أكثر مما يتمسك به البناء من الأساسات، ليس بصحيح، كيف وقد توفرت عليه دواعي كثير من الناس كحفر الارض للجبوب (جمع جُبِّ بضم الجيم وهو البئر)، ومنه الآية الكريمة في قصة يوسف عليه السلام: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}، والمصانع وحفر الابار العميقة، هذه غفلة شديده، يقول ابن الشاط، ثم قال: والذي يقتضيه النظر الصحيح أن حكم ما تحت الابنية كحكم الأهوية. ومما يدل على ذلك أن من أراد أن يحفر مطمورة تحت ملك غيرَه يتوصل إليها من مِلْك نفسه، يُمنع من ذلك بلا ريب ولا خلاف، فلو كان ما تحت الأبنية ليس له حكم الأبنية بل هو باقٍ على حكم قبول للإحياء لما منع من ذلك، والله أعلم.
أقول: ولعلَ الامر والنظر هنا يحتاج إلى التفريق بين الارض وأبنيتها في البادية وبينها في الحاضرة، حيث تتأتى بعض تلك الامور وتظهر أهميتها وقيمتها في البادية أكثرَ مما تتأتى في غيرها، ولو بصفة نسبية، مثل حفر الآبار والمطامير العتيقة، وبذلك يبقى كلام الإِمام القرافي سليمًا وبعيدًا إلى حد ما عن الغفلة الشديدة، بل يبقى بعيدا عن الغفلة من أساسها بالمرة، فلْيتأمل ذلك، وليُحَقَّق من طرف العلماء المتخصصين والفقهاء المتمكنين جزاهم الله خيرا، والله أعلم.
(١١٢) عقب ابن الشاط على هذه القاعدة بقوله: إذا كانت القاعدة الشرعية ألَّا يُملك الشرع إلا ما فيه الحاجة، وأيْ حاجة في البلوغ إلى عَنان السماء؟ ، وإذا كانتْ القاعدة أنه يُمَلِّك مما فيه الحاجة فما المانعُ من مِلْك ما تحت البناء لحفر بئر يعمقها حافرها ما شاء. فما ذَكَرَ من سر الفرق لم يظهر وبقى سرا كما كان، فالصحيح أنه لا فرق بين الامريْن. ومن الدليل على ذلك ما هو معلوم لاشك فيه من أن مَن مَلَك موضعًا، له أن يبني فيه ويرفع فيه البناءَ ما شاء، ما لم يضرَّ بغيره، ولَه أن يحفر فيه ما شاء وُيعَمِّق ما شاء، ما لم يَضُرّ بغيره ...
(١١٣) حديث صحيح متفق عليه عن عائشة ام المومنين رضي الله عنها بلفظ: "من ظَلَمَ شبرا من الارض طَوَّقه الله في سبع أرضِينَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>