للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة التاسعة والعشرون

فيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا (٣٤٨)

إعلم أن الله تعالى عذَرَ الانسان بالنسيان، ولم يَعذُره بالجهل مطلقا، بَلْ سمحَ في بعض الجهالات ولم يسْمح في بعضها.

وضابط ما يُعفَى عنه مما لا يُعفى عنه هو أن مَا يتعذر الاحتِراز عنه عادة فهو معفو عنه، وما لا يَتعذر الاحتراز عنه عادةً ولا يَشُقُّ فهو غيرُ معفو عنه.

وللأول صُوَر: أحدها (٣٤٩) مَنْ وطِئ أجنبيةً بالليل فظنَّها امرأتَه أو جاريَتَه، عُفيَ عنه، لأن الفحص عن ذلك مما يشق على الناس،


= واكثرهم تواضعا وتقديرا لمقام النبوة والرسالة، ولصاحبها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقد يكون مستند القرافي في اطلاقه تلك العبارة - والله اعلم - قول الله تعالى في سورة الانعام: ٣٣، خطابا بالنبيه الكريم، وتخفيفا عنه وتسلية له من إذاية الكافرين، ومن إعراضهم وإصرارهم على العنادِ والضلال المبين: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} إلى قوله سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
على أنه، وكما يقال: لكل جواد كبوة، ولكل فرس عثرة، وسُبْحان الله، فالكمال المطلق إنما هو لله وحده، ومن هو الإِنسان الذي ما ساء وما أخطأ قط، ومن ذا الذي له الحسنى والصواب فقط، إلا من اكرمه الله بالنبوة وختم به الرسالة، وآتاه الوسيلة والدرجة الرفيعة، وخصه بالمقام المحمود يوم البعث والقيامة وهو سيدنا ونبينا ورسولنا سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو القائل في حديثه الصحيح: "أقيلوا ذوي الهيآت او المروآت عثراتهم"، والموصوف بالعفو والصفح عن امته، مما جعل كعب بن زهير رضي الله عنه وقد شرح الله صدرَه للاسلام، ورجا العفو من الرسول عليه الصلاة والسلام يقول في قصيدته ولاميتة بانت سعاد: "والعفو عند رسول الله مامول. والاعمال والاقوال بالنيات، والله اعلم بالحق والصواب".
(٣٤٨) هي موضوع الفرق الرابع والتسعين بين قاعدة ما لا يكون الجهل عذرا فيه وبين قاعدة ما يكون الجهل عذراً فيه"، جـ ٢. ص ١٤٩.
قال في أوله الإِمام شهاب الدين احمد بن ادريس القرافي رحمه الله:
"إعلمْ أن صاحب الشرع قد تسامح في جهالات في الشريعة، فعفا عن مرتكبها، وواخَذَ بجهالات فلم يعْفُ عن مرتكبها"، ثم عرض لضابط ذلك وبيانِه كما ذكره هنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البقوري رحمه الله، ورحم كافة العلماء وسائر المسلمين.
(٣٤٩) كذا في نسخة الخزانة العامة بالرباط، ونسخة الخزانة الحسنية بالرباط، وكذا في كتاب الفروق للقرافي، والأظهر - وهو الصواب - أن يقال: إحداها، بصيغة التانيث، للتناسب مع الموصوف بذلك في التانيث وهو الصورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>