للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الثانية (٥)

أقرر فيها ما يمكن أن يُنْوَى قُربة مما لا يكون كذلك، ثمّ ما يحتاج إليها ولا بد منها فيه ممَّا ليس كذلك، فأقول أوّلاً:

قال شهاب الدين رحمه الله: ما لا يمكن أنْ يُنْوَى قُرْبةً قسمان:

أحدهما النظر الأول المفْضي إلى العِلْم بثبوت الصّانع، فانعقد الاجماع على أنه لا يُمْكِن أن يُّنْوَى التقربُ به، فإنَّ قصدَ التقرب فرْعٌ عن اعتقاد ثبوت الصانع، وهو حينئذ لم يثبت فلا يصح. (٦)

الثاني فعل الغير تمتنع النية فيه، فإن النية محصِّصَة للفعل في بعض جهاته من الفرض والنفْلِ وغر ذلك من رُتب العبادات، وذلك يتعذَّرُ على الانسَان في فعل غيره (٧)، قال: وما عَدَا هذَيْنِ القِسْمَيْن تُمْكِنُ نيتُهُ.

قلت: وتنقضَه: النية لا تحتاج إلى نية، (٨) ولا يمكن أن يُنْوى، فإنه لو كان كذلك للزم التسلسل، وهو محال، وما لزِمَ عنه المحال فهو محال.


(٥) هي موضوع الفرق الثامن عشر بين قاعدة ما يمكن أن يُنْوَى قُربَةً وقاعدةِ ما لا يمكن أن يُنْوَى قُربَةٌ". جـ ١. ص ١٢٩.
(٦) علّقَ الشيخ قاسم ابن الشاط رحمه الله على هذا القسم عند الامام القرافي بقوله: "ما قاله في ذلكِ صحيح".
(٧) وعلَّقَ ابن الشاط على هذا القسم الثاني عند القرافي بقوله: قلتُ: لا يَخْلُو أن يُّريدَ أن نية فعْل الغير تمتنع عقلا أو عادةً أو شرعًا، أمَّا عقْلا او عادة فلا وجْه للامتناع، وأما شرعًا فالظاهرُ من جواز احْجَاج الصَّبيّ أن الوَالي ينْوى عنه، وكذلك في جَواز ذببحة الكتابي نائبا عن المسلم. وعلقْ على ما عدا هذين القسمين بقوله: ما قَاله في ذلك صحيح"
(٨) كذا في نسخة ع: "تنقضه" بالفعل المضارع. وفي نسخة أخرى: "ونقضه، هكذا "بالمصدر، والضمير يعود إلى ما سبق الكلام فيه عند القرافي في القسم الثاني المتعلق بفعل الغير، والذي لا يمكن أن ينوى قوبة، وكذلك ما بعده مما تمكن نيته.
والمعنى: وتنقض هذه القاعدة، وهي: النية لا تحتاج إلى نية، ما قرره القرافي وذكره قبل هذا التعقيب من الشيخ البقوري، فليتأمل هذا التعليق، وكلام القرافي قبله، فإنه دقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>