للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الثانية: (٢٧)

نقرر فيها الفرق بين الخبر والإنشاء بعد تبيين كل منهما بخصوصيته، إذ قد تقدم لنا إجتماعهما في الخبريَّة في القاعدة التي قبل هذه.

ثم الخبَرُ هو المحتمل للتصديق والتكذيب لذاته، والتصديق هو قولنا: صدقتَ، والتكذيب هو قولنا: كذبتَ، وهما غيْرُ الصدق والكذب من حيث إنهما وجوديان، والصدق والكذب عدميان، إذ هما بن باب النِّسب. وقولنا لذاته، احترزنا به عما لا يقبل ذلك لأمر خارج فإنه خبرٌ، وهذا كخَبَر الله ورسوله لا يقبلان الكذب، كقولنا: الواحد نصف الإثنين. ومن الأخبار ما لا يقبل الصدق، كقولنا: الواحد نصف العشرة، لكنها لا لذاتها، بل كان هذا لشيء آخر، فإذا قلنا لذاته شمل جميع الأخبار: الصدق والكذب. (٢٨)

فإن قيل: الأولى أن يقال: المحتمل للتصديق أو التكذيب، (٢٩) فإن الصدق والكذب ضدان لا يجتمعان.


(٢٧) هي موضوع الفرق الثاني بين قاعدتي الإنشاء والخبر، الذي هو جنس الشهادة والرواية والدعوى وما ذكر معها فيما تقدم. جـ ١ ص ١٨.
وقد أطال فيه الكلام شهاب الدين رحمه الله، كما أطاله في سابقه، وذكر في كل منهما فروعا ومسائل وجزئيات، اختصر منها ما اختصر تلميذه الشيخ البقوري في هذا الكتاب، رحمه الله.
(٢٨) كلمتا الصدق والكذب سقطتا في نسخة ح، وكذا في نسخة أخرى.
(٢٩) كذا في نسخة ع، وفي نسخة ح، ونسخة أخرى: المحتمل للصدق والكذب، وهذا التساؤل هو للإِمام القرافي رحمه الله، لا للشيخ البقوري رحمه الله كما قد يتبادر إلى الذهن، فقد جاء عند القرافي في أول كلامه على هذا الفرق قوله:
فإن قلت: الصدق والكذب ضِدان، والضِدان يستحيل اجتماعهما، فلا يقبل محلهما إلا أحدهما، أما هُما معاً فلا، فكان المتعين في الحدِّ هو صيغة أو التي هي لِأحد الشيئين دون الواو التي هي للشيئين معا، وهذا هو اختيار إمام الحرمين، والأول هو اختيار القاضى أبي بكر، ولأن الصدق والكذب نوعان للخبر، والنوع لا يعرف إلا بعد معرفة الجنس، فلو عُرف الجنس به لزم الدَّور.
قلت: الجواب عن الأول أن الصواب هو اختيار القاضى أبي بكر رحمه الله في صيغة الواو، لأنه لا يلزم من تنافي المقبولين تنافي القبولين، ألا ترى أن الممكن قابل للوجود والعدم معا ... إلى آخر ما ذكره وتوسع فيه القرافي، ولخصه واختصره البقوري في هذا الترتيب رحمهم الله جميعا، ورحم كافة أهل العلم والفقه في الدين، وسائر المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>