للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ما ذكره شهاب الدين هنا ليس ببيّن، فإن واحداً من الفضلاء لا يرى الفضيلة أوْ عدمها من حيث الشعور بالألم الطبيعي أو فقْدُهُ، وإنما الفضيلة من حيث غلبة النظر في المسبَّب، وملاحظةُ فِعْله بِعين الكمال، فهو لذلك رَاضٍ، أوْ مِنْ حيث غلبةُ النظر للأسباب، والذهول عن المسبب، فإذا جآءه ما يخالف طبعه لم يكن راضيا، فكان ناقص الدرجة عن الذي قبله، وهذا -والله أعلمُ- هو الحق لا ما ذكره شهاب الدين ورأى أنه أغربَ به، والله أعلم.

القاعدة الرابعة عشرة

في تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات. (١٨٩)

فاعْلَم أن المثوبة تُرَتَّبُ على ما هُوَ من كسْب العبد ومقدورة، فما لا كَسْبَ فيه ولا هو من مقدوره لا مثوبةَ فيه، وهذا لقوله تعالى: "وأن فيس للانسان إلا ما سعى" (١٩٠)، ولِشَرْطٍ ثانٍ (١٩١) أن يكون المكتسَبُ مامورا به، فما لا آمرَ فيه لا ثواب فيه كالافعال قبل البعثة، وكأفعال الحيوانات التي لا تُقْتَلُ، وكذا الموتى


(١٨٩) هي موضوع الفرق الثالث والستين والمائتين بين قاعدة المكفِّرات وقاعدة أسباب المثوبات" جـ ٤. ص ٢٣١.
قال القرافي رحمه الله في أوله: "إعْلَمْ أن كثيرا من الناس يعتقدون أن المصائب سبب في رفع الدرجات وحصولِ المثوبات، وليس كذلك، بل تحرير الفرق بينهما أن المثوبات، لها شرطان: أحدهما أن تكون من كسب العبد ومقدوره، وثانيهما أن يكون المكتسَب مامورا به ... الخ ".
(١٩٠) وبَعْدَها قولُه تعالى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (٤١) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} سورة النجم، الآيات ٣٩ - ٤٠ - ٤١ - ٤٢.
(١٩١) في جميع النسخ الثلاث: ولشرْط ثان، ولعله خطأ من الناسخ، والصواب أن يقال: وشرطٌ ثانٍ أن يكون المكتسَبُ ماموراً به، كما يظهر من عبارة القرافي وعدِّهِ لهذين الشرطين فيما سبق ذكره هنا في أولِّ التعليق ١٨٩. ولعل وجهه أنه معطوف على عبارة: "وهذا لقوله تعالى".

<<  <  ج: ص:  >  >>