للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسمَعُون المواعظ والقرآن والذكر ولا ثواب لهم، لأن الأوامر ليسَتْ متعلقةً بهم. (١٩٢)

وأمّا المكَفِّرات فلا يُشترَط فيها شيء من ذلك، بل قد تكون كذلك وقد لا تكون، كالمصائب التي تصيب الانسان حتى الشوكة، فالمصيبة مكَفِّرةٌ، اقترن بها السخط أوْ الصبر (١٩٣)، فإنْ اقترن بها الصبر فله الثواب من حيث الصبر، وله


(١٩٢) علق الشيخ ابن الشاط على كلام القرافي من أول هذا الفرف إلى هنا، فقال: "هذا حديث غيرُ صحيح، بل الصحيح أن رفْعَ الدرجات لا يُشترطَ في أسبابها كونُها مكتسَبَة ولا ماموراً بها، فمنها ما يكون سببه كذلك، ومن ذلك الآلام وجميعُ المصائب، وقد دلت على ذلك كله دلائل، وظواهر الشرع متظاهرة، يعضدها قاعدة رجحان جانب الحسنات المقطوع بها. وما استدل به من قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وقولهِ سبحانه: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} وما أشْبهَ ذلك من الآي والاخبار ... الخ. يتعيَّن حمله على الخصوص، جمعا بين الأدلة.
فإن قال قائل: ذلك، وإن كانَ سبباً لرفع الدرجات وزيادةِ النعيم، فلا يسمَّى ثوابا ولا أجْرا ولا جزاءً، فإنها الفاظ مشعِرة بالإِعطاء في مقابلة عوض، فالأمر فيما يقول، قريبٌ، إذ لا مشاحة في الالفاظ. كيف يصح حمله الآيتين وما أشبههما على العموم، مع الإجماع المعلوم المنعقد على صحة النيابة في الاعمال المالية كلها، مع الخلاف في البدنية كلها أو ما عَدَا الصلاة منها، فلابُدَّ من حمل الآيتين وشههما على الإِيمان، أو عليه وعلى سائر الأعمال القليلة". قلت: "ومن الأدلة الكثيرة على ثواب الصبر وأجْره حالةَ الشدة والالم، قولُ الله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}. سورة البقرة، الآية ١٧٧. وقوله سبحانه {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. سورة الزُّمَرِ. الآية: ١٠ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما مِن مسلمٍ يشاك شوكة فما فوقها (أي يصاب بشوكةٍ وألمها في جسمه) إلا كُتبت له بها درجةٌ، ومُحيَتْ عنه بها خطيئة" أخرجه الامام مسلم رحمه الله.
وعن محمد بن خالد عن أبيه عن جده، وكان له صُحبةٌ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن العبد إذا سبقتْ له من الله منزلةٌ فلم يَبْلغها بعمل، ابتلاه الله في جسده أو ماله أو ولده، ثم صبَّره على ذلك حتى يُبْلِّغَهُ المنزلة التي سبقت له عند الله عَزَّ وجل" رواه الائمة: أحمد وأبو داود، وأبو يعلى، والطبراني رحمهم الله.
(١٩٣) عبارة القرافي أوضح وأظهر، وهي قوله: بل قد تكون كذلك مكتسَبَة، مقدورة من باب الحسنات، لقول الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. سورة هود، الآية ١١٤. وقد لا تكون (المكَفًرَات) كذلك، كما تكفر التوبة والعقوبات السيئاتِ وتمحو آثارها،
ومن ذلك، المصائبُ المؤلمة. لقول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} سورة الشورى. ٣٠. =

<<  <  ج: ص:  >  >>