للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الثانية والعشرون

فى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها. (٢٦٢)


= " يا ايها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية، وتضعونها في غير موضعها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} سورة المائدة، الآية ١٠٥)، وإنَّا سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم ياخذوا على يديه، أو شكَ أن يعمهم الله بعقاب" أخرجه كذلك أصحاب السنن.
قلت. أورد الإِمام القرافي هنا رحمه الله سؤالا هاما أشار اليه البقوري هنا في ايجاز متناهٍ، ويتعلق بالموضوع مع الإجابة عنه فقال القرافي:
سؤال: قد نجد أعظم الناس إيمانا يعجز عن الإنكار، وعجْزُه لا يُنَافِي تعظيمَهُ لله تعالى وقوةَ الإيمان، لأن الشرع منَعَه أو أسقطه عنه، بسبب عجزه عن الإنكار، لكونه يؤدي لمفسدةٍ أعَظم، أو نَقُولُ: لا يَلْزَمُ من العَجْزِ عن القردة نقصُ الإيمان، فما معني قوله عليه السلام: "وذلك أضعفُ الإيمان".
جوابه أن المراد بالإيَمان هنا الإِيمان الفعلي الواردُ في قوله تعالى، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أيْ صلاَتكُم لبَيت المقدِس، والصلاة فعل، وقال عليه الصلاة والسلام: الإيمان بضْعٌ وخمسون شعبة، (أي مظْهَراً وأمراً من الأقوال والأعمال يتجلَّى فيها الإِيمان القلبي، أعلاهَا ان لالله إلا الله، وأدناها اماطة الأذى عن الطريق (أي إزالته منها مهما كان بسيطا، فإن ذلك من الإيمان بالله)، والحياءُ شعبة من الايمان".
(٢٦٢) هي موضوع الفرق الثاني والعشرين والمائة بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات". جـ ٣. ص.٢٢.
وقد ابتدأه الإمام القرافي الله بمقدمة حسنةٍ ممهَّدة، فقال فيها:
"إعلم أن الرياء في العبادات شِرك وتشريك مع الله في طاعته، وهو موجِبٌ للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة، كما نصَّ عليه الإِمام المحاسبي وغيرُه. ثم ذكر القرافي الآية التي أوردها الشيخ البقوري، وكذلك الحديث القدسي، وقال: "وذلك يدل على أن غير المخلصين لله غيرُ مامورك به (أي بالتعبد غير الخالص)، وما هو غير مامور به لا يجزئ عن المامور به، فلا يُعتَدُّ بهذه العبادة (غير الخالصة لله)، وهو المطلوب. وتحقيقُ هذه القاعدة وضابطها أن يعملَ العملَ المامورَ به والمتقرَّبَ به إلى الله تعالى، ويقصد به وجه الله تعالى، وأن يعظمه الناس، ... ) إلى آخر ما عند البقوري هنا.
قلت: الإنسان مامور بتوحيد الله وعبادته عقيدة وطاعة وعملًا بجميع ما أمره الله به ونهاه عنه، والعبادة مقيدة بالإخلاص، والقيد كما يقول العلماء هو روح الشيء وجوهره، فالأمر بالعبادة حاصل وثابت لا محالة بقيده المذكور. وعدَمُ وجوده ممن طُلِب منه لا ينفي عنه عدمَ الأمر بالشئ من أصله، وانما ينفي عنه القبولَ كما هو مستفاد من كلام القرافي في أول الفرق، ومن نقلِه ذلك عن الإِمام المحاسِبي، لأن العمل المامور به فَقَدَ شَرطَهُ وقَيْدَهُ الأساسيَّ ليكون على مقتضَى الشرع، ويكونَ مقبولا عند الله تعالى، فَليُتَأمَّل ذلك من خلال الآية والحدث المذكورين، ومن خلال غيرهما من الأحاديث الواردة في الموضوع، والله أعلم بالصواب، ويهدي إليه من أنَابَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>