للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقياس في هذا الباب قياسُ شبَهٍ، وهذا هو قول القاضي أبي بكر الباقلاني، فلذلك لم يُلحِق بما ذُكر في الحديثَ إلا الزبيبَ، كأنه من باب لا فارقَ وهو قياسُ المعنَى، وهو غير قياس الشبه وقياسِ العلة.

القاعدة الحادية عشرة:

أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما. (٥٢).

إعلَمْ أن العلماء يستعملون أحد المعنَييْن مكانَ الْآخَر. وأصْلُ الغرر هو الذي لا يُعرَف، هل يَحْصُلُ أولا، (٥٣) كالطير في الهواء، أو السمكِ في الماء، وأمّا ما عُلِم حصولُه وجُهِلت صفته، فهو المجهول كبيعه ما في كُمِّه، فهو محصَّل قطعا، لكن لا يُعرَف أيُّ شيء هو. فالغرر والمجهول، كلُّ واحدٍ منهما أعم من الآخر من وجه، وأخصُّ منه من وجه، يوجَدُ كل واحد منهما مع الآخر وبِدونه.

وأما وجودُ الغرر بدون الجهالة فكشراء العبد الآبِقِ. المعلوم قَبْلَ الإباق، والجهالةُ بدون الغرر كشرِاء حجَر يَراهُ، لا يُعرف أزُجَاجٌ هو أو ياقوت، فمشاهدتُهُ تقتضي القطع بحصوله، فلا غرر، وعدمُ معرفته يقتضي الجهالة، وأما اجتماعهما فكالعبد الآبق المجهول الصفةِ قبْل الإِباق.

ثم الغرر والجهالة يقعان في سبعة أشياء: في الوجود كالآبق، والحصولِ - وإن علم الوجودُ- كالطير في الهواء، وفي الجِنس كسلعة يسميها، وفي النوع كعبدٍ لم يُسَمِّه، وفي المقدار كالببح إلى مبْلغ رمْي الحصاة، وفي التعْيين كثوبٍ من ثوبيْن مختلِفَيْن، وفي البقاء كالثمار قبل بُدُوِّ صلاحها.


(٥٢) هي موضوع الفرق الثالث والتسعين والمائة بين قاعدة المجهول وقاعدة الغرر" ... جـ ٣. ص ٢٥٦. لم يعلق عليه ابن الشاط بشيء.
(٥٣) عرفه المازري بقوله: بيعُ الغرر هو ما تَرَدَّدَ بين السلامة والعطَب، وهو من الامثلة التي ذكرها الشيخ خليل رحمه الله لفساد المهنى عنه، من عقد أو عمل حين قال: "وفسَدَ منهي عنه إلاَّ لدليلِ، كحيوان بلحم جنسه إن لم يُطبخ، أوِ بما لا تطُول حياته أوْ لا منفعةَ فيه، وكبيع الغرر، مثل بيع سلعة بقيمتها ... ثم قال: واغتفِرَ غرَرٌ يَسيرٌ للحاجة، لم يُقْصَدْ".

<<  <  ج: ص:  >  >>