للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك الحال في البلدين (٤) المُرَادُ بالاستقبال المطلوب، العادي لا الحقيقيُّ، والله سبحانه أعلم وأحْكَمُ.

القاعدة الثانية (٥)

لم جُعِل بعض البقاع معتبَرا في أداء الجماعات (٦) وقصْر الصلوات، ولم يكن ذلك الاعتبار بحسب الأزمان؟

فالجواب أنا نقول: القاعدة المقررة أن المظانَّ شأنها أن تُعتَبَر، حيث يكون الوصف الذي به يعلّل الحكم حِفياً في نفسه، فتُوضَع المظِنة لأجْل ذلك


(٤) عبارة القرافي هنا: أن البلدين المتقاربيّن يكون استقبالهما واحداً، مع أنا نقطع بأنهما أطول من سمت الكعبة، ولم يقل أحد بأن صلاة أحدهما صحيحة والأخرى باطلة، ولو قيل ذلك لكان ترجيحا من غير مرجحِ، فإنه ليس أحدهما أولى من الآخر بالبطلان.
وقال ابن الشاط في آخر تعليقه على هذا الفرق ما نصه: جميع ماِ قاله (اي القرافي) في هذا الفصل تحرير خلاف، ولا كلام فيه، غيرَ أن الصحيح من الأقوال أنَ الجهة (اي استقبال جهة الكعبة) واجبة وجوب المقاصد، وأن الاعادة لازمة عند تبين الخطأ، والله أعلم. اهـ.
(٥) هي موضوعِ الفرق الثامن والتسعين بين قاعدة البقاع جُعِلَتْ الْمظانُّ منها معتبرة في أداء الجمعات وقصْر الصلوات، وبين قاعدةِ الأزمان لم تُجْعَلْ المظان منها معتبرة في رؤية الأهِلة ولا دخول اوقات العبادات وترتيب أحكامها ... جـ ٢. ص ٢٢٥.
قال القرافي رحمه الله في أوله: إعلَم أن الفرق بين هاتيْن القاعدتين مبني على قاعدة وهي: أن الوصفَ الذي هو معتبر في الحكم، إن امكن انضباطه لا يُعْدَلُ عنه إلى غيْره كتعليل التحريم في الخمْر بالسكر، والربا بالقوتِ، وغيْر ذلك من الاوصاف المعتبرَة في الاحكام. وإن كان غير منضبط أقيمتْ مظِنته مُقامه. وعدَم الانضباط إما لاختلاف مقاديره في رتبه، كالمشقة سبباً للقصر وهي غير منضبطة المقادير، إذْ ليس مشاق الناس في ذلك سواء، وكالعقل الذي هو مناط التكليف، ويختلف في الناس بسبب اعتدال المزاج وانحرافه، فربَّ صبي مُعْتدِل المزاج يكون أعقل من رجل منحرف المزاج، فالعقل يختلف في الرجال والصبيان، فجُعل البلوغ مظنته، وهو منضبط، وهكذا يظهر هذا الموضوع بصورة أجلى وأوضح، من خِلَالِ هذا الكلام عند القرافي رحمه الله. اهـ.
(٦) كذا في النسختين ع، ح. والذي في كتاب الفروق الجمعات، وهو أصوب وأظهر، بدليل ما ياتي من الكلام على كون ثلاثة أميال مظنة سطع الأذان للجمعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>