للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخفاء، فأربعين ميلَا مظنة المشقة للمسافر، وثلاثة أميال مظنة سماع الأذان للجمعة، فإذا كان الوصف الذي به التعليل ظاهراً وغير خفي لم توضع المظنة.

ولمَّا كانت هذه القاعدة هكذا وجِدَ الخفاء بحسَب الْمَظانِّ التي وضعتْ وفيها اعتبار المكان، ولم يوجد ذلك بحسَب الزمان، فالْأهلةُ التي ارتبطت العبادةُ بها كرمضان، وغيره لا حاجة إلى مظِنَّةٍ من جهة الزمان تقوم مقامه، فإن المَظنَّة إنما تكون عند عدم الانضباط، أما معهُ فَلا.

والانضباط موجود بأشياء، إن كنا نقول بالمناخ فظاهرٌ، وإن كنا لا نقول به فنُكَمِّلُ العِدةَ ثلاثين، هذا مع الغَيْم، ومع الصَّحو نَعتَبر الرؤية، فأيُّ فائدة لوضع المظنَّة هاهنا.

قال شهاب الدين رحمه الله: والمظنة هي في الرتبة الثالثة من التَّعْليل، وذلك أن الحِكْمَةَ توجب كون الوصف علة معتبَرَة في الحكم، فإذا ثبتَ كونه معتَبرا، إن كان منضبطا اعتمد عليه ولم يُحْتَجْ إلى المظنة، وإن لم يكن منضبطا أقيمت مظنته مقامه، فالحكمة في الرتبة الأولى، والوصف في الرتبة الثانية، والمظنة في الرتبة الثالثة، وهذه الثلاثة مثالُها في السَّفر أن مَصْلحة المكلَّف في راحته، وصلاحُ جسمه يوجب أن المشقة إذا عرضت توجب عليه تخفيف العبادة، لئلا تعظم الشقة فتضيعَ مصالحه بضعف جسمه، فتوفير قوّته هُوَ المصلحة والحكمة الموجبة لاعتبار وصف المشقة سببَ الترخيص، فالمشقة في الرتبة الثانية منها، لأن الأثرَ فرْعُ المؤثِّر، والمظنة فرْعٌ قد تكون مُوجِبةً للحكم، وإن لم يكن الوصف حاصلا، وهذا لأن الاعتبار للغالب لا لِلنادر، فقد تحصل المشقة وقد لا، ولكن الغالب حصولها. (٧)


(٧) قال القرافي هنا رحمه الله:
فإن قلت: ما الفرق بين المظنة والحكمة التي اختُلِف في التعليل بها؟ وما الفرق بين الثلاثة: الوصفِ والمظنةِ والحكمة؟ قلتُ: الحكمة هي التي توجب كون الوصف علة معتبرة في الحكم. فاذا ثبتَ كوُنه معْتَبراً في الحكم، إن كان منضبطا اعتمد عليه من غير مظنةِ تُقام مُقامه، وإن لم يكن منضَبطا أقيمت مظنته مُقامه. فالحكمة في الرتبة الأولى، والوصف في الرتبة الثانية، والمظنة في الرتبة الثالثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>